للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

باجتماع الكلمة علينا، ومقدّمة لملك الشام الفرنجى بانقياد المسلمين لنا، واتفاق الملوك المجاورين على طاعتنا؛ وتفصيل ما جرى لنا مع الفرنج من الغزوات المتقدمة التي جسنا فيها خلال ديارهم، وجعلها الله تعالى مقدمات لما سبق في علمه من أسباب دمارهم، وما أعقبها من كسرتنا لهم الكسرة الكبرى، وفتح البيت المقدس، وتلك على الإسلام منة الله العظمى، إلى غير ذلك من أخذ الثغور، وافتتاح البلاد وإثخان القتل فيهم والأسر لهم، واستنجاد بقيتهم لفرنج المغرب، وخروج نجداتهم وكثرتها، وقوتها ومنعتها، وغناها وثروتها، ومسارعتها ومبادرتها، وأنه لا يمضى يوم إلا عن قوة تتجدد، وميرة تصل، وأموال واسعة تخرج، ومعونات كثيرة تحمل، وأن ثغرنا حصره العدو، وحصرنا نحن العدو، فما تمكّن من قتال الثغر، ولا تمكّن من قتالنا، وخندق على نفسه عدة خنادق، فما تمكنا من قتاله، وقدّم إلى الثغر أبرجة أحرقها أهله، وخرج مرتين إلى عسكرنا فكسر العدو أقله، فإنه اغتنم أوقاتا لم تكن العساكر فيها مجموعة، وارتاد ساعات لم تكن الأهب فيها مأخوذة، وأقدم على غرة استيقظت فيها نصرة الله لنا وخذلانه لهم، فقتل الله العدو القتل الذريع، وأوقع به الفتك الشنيع، وانجلت إحدى الحركتين عن عشرين ألف قتيل من الكفار خرجت أنفسها إلى مصارعها، وهمدت أجسامها في مضاجعها، والعدو وإن حصر الثغر فإنه محصور، ولو أبرز صفحته لكان باذن الله هو المثبور المكسور.

وتذكر ما دخل الثغر من أساطيلنا ثلاث مرات، وإحراقها لمراكبهم وهى الأكثر، ودخولها بالميرة بحكم السيف الأطهر، وأن أمر العدو مع ذلك قد تطاول، وخطبه قد تمادى ونجدته تتواصل، ومنها ملك الألمان في جموع جماهيرها مجمهرة، وأموال قناطيرها مقنطرة، وأن عساكرنا لو أدركته لما استدرك، ولولا سبقه لها بالدخول إلى أنطاكية لتلف وهلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>