وما هو إلا أن يهرب مملوكان طريدان منا فيستوليان على أطراف بلاده، ويصل المشار إليه بالأمر من مراكش إلى القيروان في ستة أشهر، فيلقاهم فيكسر مرة ويتماسك أخرى.
وأعلم الأمير نجم الدين بذلك، فأمسك مقدار عشرة أيام، ثم أنفذ الأمير المذكور إليه على يد ابن الجليس بأن الهدية أشير عليه بأن لا يستصحبها، وإن استصحبها تكون هدية برسم من حواليه؛ وأن الكتاب لا يأخذه إلا بتصريح أمير المؤمنين، وأن السلطان - عز نصره - رسم له ذلك، والملك العادل - دامت قدرته - بأن لا يشير إلا به، وأنه إذا لقى القوم خاطبهم بهذه التحية عن السلطان - أبقاه الله - من لسانه.
فأجابه المملوك: بأن لخطاب يكفى، وطريق جحدنا له ممكن، والكتابة حجة تقيد اللسان عن الإنكار، ومتى قرئت على منبر من منابر المغرب جعلنا خالعين في مكان الإجماع، مبايعين من لا ينصره الله ولا شوكة فيه، ولا يحل اتباعه، مرخصين الغالى، منحطين عن العالى، شاقين عصا المسلمين، مفرّقين كلمة المؤمنين، مطيعين لمن لا تحل طاعته، متقلدين لمن لا تصح ولايته، فيفسد عقود الإسلام، وينفتح باب يعجز وارده عن إصدار؛ بل تمضى وتستشف الأمور، وتكشف الأحوال، فإن رأيت للقوم شوكة ولنا زبدة فعدهم بهذه المخاطبة، واجعل كل ما نأخذه ثمنا للوعد بها خاصة، فامتنع وقال: أنا اقضى أشغالى، وأتوجه إلى الإسكندرية، وأنتظر جواب السلطان - عز نصره - وما يفوت وقت، وإلى أن أنجز أمر المركب، وأرتاد الركاب.
فسيّر المملوك النسخة، وإن وافقت فينعم المولى على المملوك بترجمة يلصقها على ما كتبه، ويأمر نجم الدين بتسلم الكتاب؛ على أن ابن الجليس حدثه عنه أنه ممتنع من السفر إلا بالمكاتبة بها.