وذكر عماد الدين من هذا شيئا كثيرا عن الملك العادل، فأجابه الملك العزيز إلى ذلك، وضربت الخيام، ونصبت الأعلام، وتكاملت العساكر وتتامّت، واجتمعت وتضامت (٤).
قال:«وكان الملك الأفضل لما بلغه ذلك يكذب الحديث عنه تارة، ويصدقه أخرى، ويقول: قد استوثقت من كلّ منهم باليمين، وما منهم من يهى موثقه، وما وثقت - بعد الله تعالى - من الناس إلا بعمى، وهو يعصمنى، ويقينى إنه يقينى».
وانفصل الملك الزاهر من مصر عند قرب الرحيل، ومعه القاضى بهاء الدين ابن شداد بعد قضاء الأرب من أداء الرسالة عائدين إلى صاحبهما، فلما عبرا بدمشق، أخبرا الملك الأفضل بجلية الحال، وأنهم على قصد السفر والاستيلاء على البلاد، فضاق ذرعه بذلك، واستشار أصحابه، فأشار عليه شيوخ الدولة وأكابرها من الأمراء وغيرهم بأن يستقبل أخاه وعمه وينقاد إلى أوامرهما، فإنه إذا استقبلهما على هذه الصورة (١٩ ا) لا يسعهما إلا قبوله لأنهما إن غيّرا عليه حالا بعد ذلك، حلّت بهما الغير، وأرّخت بقبح فعلهما السّير، فكاد يقبل هذا القول ويصغى إليه، فدخل عليه وزيره ضياء الدين بن الأثير فثنّاه عن هذا الرأى وصرفه عنه وقال له:
«أنت أكبر الأخوة وأفضلهم، وما ثمّ عجز وفى الغيب لله قضايا، وله ألطاف خفايا، ودمشق مدينة حصينة وأهلها يحبونك ويؤثرونك».