للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الدارقطني من جهة عبد الرزاق في «مسنده»، وعبد الرزاق فمن فوقه من رجال «الصحيحين»، وقال ابن رشد المالكي: (هو مرسل صحيح)، ولم يعتلَّ الشافعي إلَّا بإرساله، والمرسل حجَّة عندنا وعند مالك وأحمد، كما حكاه ابن العربي وابن الجوزي، وروي ذلك أيضًا من طرق (١) سبعة متصلة [ذكرها جماعة، منهم ابن الجوزي.

والثاني من المراسيل: مرسل الحسن البصري رواه الدارقطني] (٢) بإسناده إليه، وهو أيضًا مرسل صحيح.

والثالث: مرسل النخعي، رواه أبو معاوية، عن الأعمش، عن النخعي قال: «جاء رجل ضرير البصر، والنبي عليه السلام يصلي...»؛ الحديث.

والرابع: مرسل معبد الجهني، روي عنه من طرق متعددة.

وأول المسانيد: حديث عبد الله بن عمر، وقد ذكرناه.

والثاني: حديث أنس بن مالك رواه الدارقطني من طرق متعددة.

والثالث: حديث أبي هريرة من رواية أبي أمية، عن الحسن، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «من ضحك في الصلاة؛ أعاد الوضوء وأعاد الصلاة»، رواه الدارقطني.

والرابع: حديث عمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من ضحك في الصلاة قرقرة؛ فليعد الوضوء والصلاة».

والخامس: حديث جابر، أخرجه الدارقطني.

والسادس: حديث أبي المليح بن أسامة، أخرجه الدارقطني أيضًا، كما ذكرناه.

والسابع: حديث رجل من الأنصار: (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي، فمرَّ رجل في بصره سوءٌ، فتردَّى في بئر، فضحك طوائف من القوم، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من ضحك أن يعيد الوضوء والصلاة)، رواه الدارقطني وغيره.

وزعم ابن حجر حاكيًا عمَّا زعمه ابن المنذر: (أجمعوا أنَّه لا ينقض خارج الصلاة، واختلفوا إذا وقع فيها؛ فخالف من قال بالقياس الجلي، أو تمسكوا بحديثٍ لا يصح، وحاشا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين هم خير القرون أن يضحكوا بين يدي الله تعالى خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم).

قال في «عمدة القاري» : (قلت: هذا الزاعم أعجبه هذا الكلام المشوب بالطعن على التابعين الأئمة الكبار، وفساده ظاهر من وجوه:

الأول: كيف يجوز التمسك بالقياس مع وجود الأخبار المشتملة على المراسيل والمسانيد؟! والمراسيل مع كونها حجة عندهم، فما قاله افتراء وتعصب.

والثاني: أن قوله: «تمسكوا بحديث» لا يصح، وليس كما زعم، بل تمسكوا بالأحاديث الصحيحة المتواترة المكررة، واختلاف طرقها ومتونها ورواتها دليل قوتها وصحتها، فهذا الزعم باطل لا أحد يعرج عليه من الجهال المتعصِّبين فضلًا عن العلماء الموصوفين.

والثالث: قوله: «حاشا من أصحاب رسول الله عليه السلام...» إلى آخره: هذا طعن في الأحاديث الصحيحة، وهو مردود عليه؛ لأنَّه كان يصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة وغيرهم من المنافقين والأعراب الجهال، وهذا من باب حسن الظن بهم، وإلا فليس الضحك كبيرة، وهم ليسوا من الصغائر بمعصومين، ولا عن الكبائر على تقدير كونه كبيرة، ومع هذا قد وقع من الأحداث في حضرته عليه السلام ما هو أشد وأعظم من هذا، فما زعمه باطل لا يعتد به).

وزعم ابن حجر بعد نقله عن ابن المنذر الذي ذكرناه على: (أنَّهم لم يأخذوا بمفهوم الخبر المروي في الضحك، بل خصُّوه بالقهقهة).

قلت: هذا كلام من لا ذوق له في دقائق التركيب، وقد زاد في الطنبور نغمة على ابن المنذر، وكيف لم يأخذوا بمفهوم الخبر المروي في الضحك؟ ولو لم يأخذوا ما قالوا: الضحك يفسد الصلاة، ولا خصُّوه بالقهقهة، وقد ذكر صريحًا، كما جاء في حديث ابن عمر صريحًا، وجاء أيضًا بلفظ: (القرقرة) في حديث عمران بن حصين، والأحاديث تفسر بعضها بعضًا، فهذا الزعم باطل لا أصل له، بل هو زور وبهتان، كما لا يخفى على من له أدنى بيان.

وإنما تنقض الوضوء القهقهة إذا صدرت من بالغ رجل أو امرأة، أمَّا قهقهة الصبي؛ فلا تنقض وضوءه إجماعًا، وتفسد صلاته، كذا في «المصفى» و «السراج»، ورجحه في «البحر»، ولا بد أن يكون البالغ يقظانًا، أمَّا قهقهة النائم في الصلاة؛ ففيها (٣) قولان مصححان، واختار في «فتح القدير» : أنَّها تفسد الصلاة ولا تنقض الوضوء، وبه يفتى، كما في «الدر المختار»، وأمَّا قهقهة الناسي في الصلاة؛ فجزم في «التبيين» بالنقض؛ لأنَّ حالة الصلاة مذكِّرة، ورجحه في «البحر»، ومثل الناسي الساهي، كما في «الدر»، فإنَّه إذا تقهقه في الصلاة ساهيًا؛ انتقض وضوءُه على المختار، ولا بد أن تكون القهقهة في كل صلاة ذات ركوع وسجود، فلا تنقض القهقهة في صلاة الجنازة وسجدة التلاوة، لكن يبطلان، والتيمم كالوضوء، واتفقوا على أنَّ القهقهة لا تبطل الغسل، واختلفوا هل الوضوء الذي في ضمن الغسل ينتقض بها؟ فعلى قول عامة المشايخ: لا ينتقض، وهو الأصح، كما في «شرح الملتقى»، وصحَّح المتأخرون النقض، وهو اختيار الإمام قاضيخان، ورجحه في «البحر»، وقال غير واحد: إنَّه الصحيح، وهو الأحوط، والله أعلم.

واختلف في القهقهة؛ فقيل: إنها من الأحداث، وقيل: إنَّها ليست من الأحداث، وإنما وجب الوضوء بها زجرًا (٤) وعقوبة، وهو المعتمد، كما رجحه في «البحر» و «النهر» وغيرهما؛ لأنَّه الموافق للأحاديث المرويَّة فيها؛ لأنَّه ليس فيها إلا الأمر بالإعادة للوضوء والصلاة، ولا يلزم منه كونها حدثًا، وتمامه في «منهل الطلاب».

(وقال الحسن)؛ أي: البصري، مما وصله ابن أبي شيبة، وسعيد بن منصور بإسناد صحيح: (إن أخذ من شعره) أي: شعر رأسه أو شاربه (أو) من (أظفاره)، ولابن عساكر: (وأظفاره)؛ -بالواو- بعد الوضوء؛ فلا وضوء عليه، وكذا لو قشط خفه بعد مسحه؛ فلا إعادة عليه، والمراد من أخذ الشعر ما هو أعم؛ فيشمل القص والحلق والنتف بالنسبة للإبط، فلا إعادة عليه ولا مسحه في الجميع، خلافًا لأبي العالية، والحكم، وحماد، ومجاهد، وقال عطاء والنخعي والشافعي: (يمسه الماء)، (أو خلع) وفي رواية: بالواو (خفيه) أو أحدهما بعد المسح عليهما؛ (فلا وضوء عليه)، بل يغسلهما إذا أراد الوضوء، وبه قال الإمام الأعظم، والثوري، وأبو ثور، والشافعي في الجديد، والمزني، وقال مكحول، والنخعي، وابن أبي ليلى، والزهري، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق: (يستأنف الوضوء)، وبه قال الشافعي في القديم، وقال مالك والليث: (يغسل رجليه مكانه، فإن لم يفعل؛ استأنف الوضوء)، وقال الحسن البصري وقتادة وروي عن النخعي: (أنه لا شيء عليه ويصلي).

(وقال أبو هريرة) عبد الرحمن بن صخر رضي الله عنه، مما وصله إسماعيل القاضي في «الأحكام» بإسناد صحيح من طريق مجاهد عنه موقوفًا: (لا وضوء إلا من حدث) وهو لغة: الشيء الحادث، ثم نقل إلى المعاني الناقضة للطهارة، وإلى المنع المترتب عليها مجازًا، من باب قصر العام على الخاص، والأول هو المراد هنا، فالحدث عام في سائر الأحداث لا يختص بحدث دون حدث، فيشمل الخارج من السبيلين، والإغماء، والدم، والنوم، والجنون، والقهقهة وغيرها، ولا معنى لتخصيصه بالخارج من السبيلين؛ لأنَّ اللفظ عامٌّ، ولا دليل على التخصيص، والأصل عدمه، ومدَّعيه مطالَب بالدليل؛ فافهم.

(ويُذكر) بضم المثناة (عن جابر) رضي الله عنه، مما وصله ابن إسحاق في «المغازي»، وأخرجه أحمد في «مسنده»، والحاكم في «مستدركه» وصحَّحه، وابن حبان في «صحيحه»، والدارقطني في «سننه»؛ كلهم من طريق ابن إسحاق، وإذا كان الحديث صحيحًا؛ فلمَ لم يجزم به المؤلف، وذكره بصيغة التمريض؟! لأجل الاختلاف في ابن إسحاق، كما في «عمدة القاري»، وما أجاب به ابن حجر والكرماني، فلا يعوَّل عليه؛ لأنَّه لا يقوله من له أدنى معرفة في العلم؛ فافهم.

(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة ذات الرِّقاع)؛ بكسر الرَّاء، جمع رُقعة؛ بضمها، سميت باسم شجرة هناك، وقيل: باسم جبل هناك فيه بياض وسواد وحمرة يقال له: الرِّقاع، فسميت به، وقيل: سميت به؛ لرقاع كانت في ألويتهم، وقيل: لأنَّ أقدامهم نقبت، فلفُّوا عليها الخرق، وهذا هو الصحيح؛ لأنَّ أبا موسى حاضر ذلك شاهده، وقد أخبر به، وكانت تلك الغزوة في سنة أربع من الهجرة، وذكر المؤلف:


(١) في الأصل: (طريق).
(٢) ما بين معقوفين سقط من الأصل، استفدناه من «عمدة القاري».
(٣) في الأصل: (ففيه).
(٤) في الأصل: (جزرًا)، وهو تحريف عن المثبت.

<<  <   >  >>