«البحر» : (فكان هو المُعتمد في المذهب)، وعلى اعتبار الغلوة؛ فالطلبُ أَنْ يَنظُر يمينه، وشماله، وأمامه، ووراءه غلوة، كذا في «الحقائق»، قال في «النهر» : (ومعنى ما ذكره في «الحقائق» : أنَّه يقسم المشي بمقدار الغلوة على هذه الجهات، فيمشي من كلِّ جانب مئة ذراع، فإنَّ الطلب لا يتم بمجرد النظر، ويدلُّ على ذلك ما سبق عن الإمام الأعظم) انتهى.
وقال في «البحر» عن «المنية» : (ولو بعث من يطلبه له؛ كفاه عن الطلب بنفسه، وكذا لو أخبره من غير أن يُرسله) انتهى.
قال الإمام برهان الدين الحلبي: (ويشترط في المخبر أن يكون مكلَّفًا عدلًا، وإلَّا؛ فلا بدَّ معه من غلبة الظن حتى لا يلزم الطلب؛ لأنَّه من الديانات، وغلبة الظن هنا إما بأن وجد أمارة ظاهرة؛ كرؤية خضرة، أو طير، أو أخبره مخبر، كذا أطلقه في «التوشيح»، وقيَّده صاحب «البدائع» بالعدل) انتهى، وهو الموافق لِمَا قاله برهان الدين.
وقال في «المحيط» : ولو قرب من الماء وهو لا يعلم به، ولم يكن بحضرته من يسأله عنه؛ أجزأه التَّيمم؛ لأنَّ الجهل بقرب الماء كبعده عنه، ولو كان بحضرته من يسأله، فلم يسأله حتى تيمم وصلى، ثم سأله، فأخبره بماء قريب؛ لم تَجُزْ صلاته؛ لأنَّه قادر على استعمال الماء بواسطة السُّؤال، فإنْ لم يسأله؛ فقد جاء التقصير من قبله؛ فلم يعذر؛ كمن نزل بالعمران ولم يطلب الماء؛ لم يَجُزْ تيممه، وإن سأله في الابتداء، فلم يخبره حتى تيمم وصلى، ثم أخبره بماء قريب؛ جازت صلاته؛ لأنَّه ما عليه، كذا في «شرح الملتقى» للعلامة الباقاني، وذكر مثله صاحب «البحر»، وتمامه في شرحنا «منهل الطلاب»، والله تعالى أعلم بالصواب.
(فانطلقا)؛ أي: علي وعِمران؛ لأمره عليه السَّلام لهما بذلك (فتلقيا)؛ بالفاء، والمثناة الفوقية، بعدها لام، وفي رواية: (فلقيا)؛ بإسقاط المثناة الفوقية، من اللقى: وهو الاجتماع، يقال: لقي زيدٌ عمرًا؛ يعني: اجتمع به، ومنه قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا} [الكهف: ٧٤] (امرأة) لم يُعلم اسمها، وفي رواية مسلم: (فإذا نحن بامرأة سادلية)؛ أي: متدلية رجلها (بين مَزَادتين)؛ تثنية مزادة؛ بفتح الميم، وتخفيف الزاي: الراوية أو القربة، وتجمع على (مزايد)، ومزاد سميت مزادة؛ لأنَّه يزاد فيها جلد آخر من غيرها، ولهذا قيل: إنها أكبر من القِربة، (أو) بين (سَطِيحتين)؛ تثنية سطيحة؛ بفتح السين المهملة، وكسر الطاء المهملة، وهي بمعنى: المزادة، قال ابن سيده: (السطيحة: المزادة التي بين الأديمين قوبل أحدهما بالآخر)، وفي «الجامع» : (هي أداوة تتخذ من جلد وهي أكبر من القِربة) انتهى.
وكلمة (أو) للشك، قال إمام الشَّارحين: (الشك من الراوي؛ يعني: أي راوي كان)، وزعم ابن حجر أنَّ الشَّك من عوف.
وردَّه إمام الشَّارحين فقال: (قلتُ: تعيينه به من أين؟ يعني: ليس لتعيينه به دليل لا من رِواية ولا غيرها، وما هو إلا خدش وتخمين، وخِلاف الظاهر).
قلت: والَّذي يظهر أنَّ الشكَّ من أبي رجاء، ويُحتمل أنَّه من عِمران، وفي رواية مسلم: (فإذا نحن بإمراة سادليَّة رجلها بين مزادتين) من غير شكٍّ؛ فافهم.
وقوله: (من ماء) بيان لقوله: (مزادتين)، وساقطٌ في رواية ابن عساكر (على بَعير لها)؛ بفتح الموحدة، وهو من الإبل بمنزلة الإنسان من الناس، وإنَّما يُقال له: بعيرٌ إذا أجذع، والجمع: (أبعرة)، وأباعر، وبعران، وإفادة (اللام) : الملكية؛ أن البعير ملك لها؛ فتأمل.
(فقالا)؛ أي: علي وعِمران (لها) أي: لتلك المرأة: (أين الماء) مبتدأ وخبر؟ (قالت: عهدي بالماء أمسِ)؛ بالبناء على الكسر عند أهل الحجاز، ويعرب غير منصرف؛ للعلمية والعدل عند بني تميم وعليه؛ فهو بضمِّ السين، وموقعه من الإعراب الرفع على أَنَّه خبر للمبتدأ، وهو (عهدي)، كذا قاله إمام الشَّارحين، وعلله المحقق أبو البقاء؛ بأن المصدر يخبر عنه بظرف الزمان، وجوز في «المصابيح» أن يكون بالماء خبر (عهدي)، و (أمس) ظرف لعامل هذا الخبر؛ يعني: عهدي متلبس بالماء في أمسِ، ولم يجعل الظرف متعلقًا بـ (عهدي)؛ لأني جعلت (بالماء) خبرًا، فلو علق الظرف بالعهد مع كونه مصدرًا؛ لزم الإخبار عن المصدر قبل استكمال معمولاته، وهذا باطل) انتهى.
قلت: وبهذا تعلم فساد قول القسطلاني، ويحتمل أن يكون (عهدي) مبتدًا، و (بالماء) متعلق به، و (أمس) ظرف له؛ لما علمت، قال: وإذا كان ظرفًا؛ فتفتح سينه؛ فتأمل.
(هذه الساعةَ) منصوب على الظرفية، قال ابن مالك: أصله: في مثل هذه الساعة، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، ويحتمل أن يكون (هذه الساعة) بدل من (أمس) بدل بعض من كل؛ أي: مثل هذه الساعة، والخبر محذوف؛ أي: حاصل ونحوه؛ فتأمل.
(ونفرنا)؛ أي: رجالنا، وفي «المحكم» : النفر، والنفر، والنفور، والنفير: ما دون العشرة من الرجال، والجمع: (أنفار)، وفي «الواعي» : النفر: ما بين الثلاثة إلى العشرة، والعرب تقول: هؤلاء نفرك؛ أي: رهطك ورجالك الذين أنت منهم، وهؤلاء عشرة نفر؛ أي: عشرة رجال، ولا يقولون: عشرون نفرًا، وثلاثون نفرًا، وتقول العرب: جاءنا في نفره ونفيره ونفرته، كلها بمعنًى، وسُمُّوا بذلك؛ لأنَّهم إذا حزنهم أمر؛ اجتمعوا ثم نفروا إلى عدوهم، ولا واحد له، كذا قاله إمام الشَّارحين.
(خُلُوف)؛ بضمِّ الخاء المعجمة، واللام المخففة، جمع: لخالف؛ أي: المسافر؛ نحو: شاهد وشهود حتى حي خلوف؛ أي: غيب، وقال ابن عرفة: (الحي خلوف؛ أي: خرج الرجال، وبقيت النِّساء)، وقال الخطابي: هم الذين خرجوا للاستقاء، وخلفوا النساء، والأثقال، وارتفاع (خلوف) على أنَّه خبر المبتدأ، وفي رواية المستملي، والحموي: (خُلوفًا)؛ بضمِّ الخاء المعجمة، واللام المخففة، والنصب، قال الكرماني: منصوب بـ (كان) المقدرة؛ أي: كان نفرنا خلوفًا، كذا قرره إمام الشَّارحين، وزعم ابن حجر تبعًا للدماميني أنه منصوب على الحال السادِّ مسد الخبر.
ورده إمام الشَّارحين فقال: (قلت: ما الخبر هنا حتى يسد الحال مسده؟ والأوجه: ما قاله الكرماني) انتهى.
قلت: ويجوز أَنْ يكون منصوبًا بفعل مقدر؛ أي: ونفرنا أحسب أو اعتقد خلوفًا، ونحوه؛ فتأمل.
(قالا)؛ أي: علي وعِمران (لها) أي: لتلك المرأة: