للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الإناء؛ يعني: صُبه (عليك)؛ أي: على جسدك كله بعد أن تتمضمض وتستنشق؛ لأنَّهما من تمام غسل البدن (وهي قائمة)؛ أي: المرأة المذكورة قائمة تشاهد ذلك، وهذه الجملة اسمية محلها نصب على الحال على الأصل (تنظر إلى ما) أي: الذي (يُفعل)؛ بضمِّ أوله مبني للمجهول؛ أي: يفعلونه (بمائها) من تفريغه لسقي الدواب، ولسقي الجيش، وللوضوء، والغسل، فاستغربته؛ لعدم عهدها به عندهم لكونها من الكفار وقتئذٍ.

فإن قلت: الاستيلاء على الكفار بمجرده يبيح رق نسائهم وصبيانهم، وإذا كان كذلك؛ فقد دخلت هذه المرأة في الرق باستيلائهم عليها، فكيف وقع إطلاقها وتزويدها؟

قلت: إنَّما أطلقت لمصلحة الاستيلاف الذي جر دخول قومها في الإسلام، ويحتمل أنَّها كان لها أمان قبل ذلك، وكانت من قوم لهم عهد.

فإن قلت: كيفَ جَوزوا التَّصرف حِينئذٍ من مالها؟

قلت: بالنظر إلى كفرها أو لضرورة الاحتياج إليه، والضرورات تُبيح المحظورات، أفاده إمام الشَّارحين.

(وايم الله)؛ بوصل الهمزة، قال الجوهري: (وايمُنُ الله: اسم وضع للقسم هكذا بضمِّ الميم والنون، وألفه ألف الوصل عند الوصل عند الأكثر، ولم يجئ في الأسماء ألف وصل مفتوحة غيرها، وهو مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف؛ والتقدير: أيمن الله قسمي، وربما حذفوا منه النون، فقالوا: وايم الله).

وقال أبو عُبيد: (كانوا يحلفون، ويقولون: يمين الله؛ لا أفعل، فجمع اليمين على أيمن، ثُمَّ كثر في كلامهم، فحذفوا النون، فألفه ألف قطع، وهو جمع، وإنَّما طرحت الهمزة في الوصل؛ لكثرة استعمالهم إياه).

قلت: فيها لغات؛ جمع منها النووي في «تهذيبه» سبع عشرة، وبلغ بها غيره عشرين، كذا قرَّره في «عُمدة القاري».

(لقد أُقلع)؛ بضمِّ الهمزة، من الإقلاع: وهو الكفُّ، يقال: أقلع عن الأمر؛ إذا كفَّ عنه (عنها)؛ أي: كف عن المزادة، فلم يأخذوا منها شيئًا؛ لأنَّهم قد اكتفوا لشربهم، ولدوابهم، وللوضوء، وكذا الغسل، وإنَّما أفردها؛ لأنَّهم إذا كفوا عن أحدهما؛ يكون الكف عن الأخرى ضرورةً، فكأنه قال: وايم الله؛ لقد أقلع عنهما جميعًا، والقائل ذلك: هو عمران بن الحصين، (وإنَّه)؛ أي: الشَّأن (ليُخيَل)؛ بضمِّ التحتية الأولى، وفتح الثانية، من التخييل، وهو مرادف للظن الذي هو استواء الطرفين (إلينا) أي: الصَّحابة (أنها) أي: المزادة (أشدُّ) أي: أكثر (مِلْأَة)؛ بكسر الميم وفتحها، وسكون اللام، بعدها همزة مفتوحة، وفي رواية البيهقي: (إملاء)؛ بهمزة أوله (منها) أي: المزادة (حين اُبْتُدئ)؛ بضمِّ الهمزة، وسكون الموحدة، وضم المثناة الفوقية، من الابتداء (فيها)؛ بالسقي والاستقاء؛ والمعنى: أنَّهم يظنون أن ما بقي فيها من الماء أكثر مما كان أولًا، فهذا من دلائل النبوة؛ حيث توضؤوا، وشربوا، وسقوا، واغتسل الجنب مما سقط من العزالي وبقيت المزادتان مملوءتانِ ببركة النَّبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، وعظيم برهانه، وكانوا أربعين، نص عليهم في رواية مسلم (١) بن رزين، وأنَّهم ملؤوا كل قربة كانت معهم.

وقال القاضي عياض: وظاهر هذه الرِّواية أنَّ جملة من حضر هذه القصة كانوا أربعين، ولا نعلم مخرجًا لرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه يخرج في هذا العدد، فلعله الرَّكب الَّذي عجلهم بين يديه؛ لطلب الماء، وأَنَّهم وجدوا (٢) المرأة، وأنَّهم أسقوا للنَّبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم قبلَ النَّاس، وشربوا، ثُمَّ شرب الناس بعدهم، كذا في «عُمدة القاري».

قلتُ: وقد يُقال: إنَّ الجيش حين سار النَّبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم استأذن بالمشي بسرعة (٣)، والسَّبق إلى المدينة، وبقي مع النَّبيِّ الأعظم عليه السَّلام هذا الركب وهم أربعون، وفيهم علي وعمران؛ فاختارهم عليه السَّلام لطَلَب الماء، فإنَّ الذي طلب الماء لم يكن إلا عليًّا وعِمْران، فلَّما فَرَغوا من السَّقي والاستقاء وساروا؛ ربما وجدوا بقية الجيش في الطريق، ولهذا ملؤوا قربهم جميعًا، وما ذاك إلا لأجل الجيش الذي تقدم، والله أعلم؛ فافهم.

وقال إمام الشَّارحين: (وفيه أنَّ جميع ما أخذوه من الماء مما زاده الله تعالى وأوجده، وأنَّه لم يختلط فيه شيءٌ من ماءِ تلك المرأة في الحقيقة وإنْ كان في الظَّاهر مختلطًا، وهذا أبدع وأغرب في المعجزة، وفيه دلالة: أنَّ عُمر رضي الله عنه أجلدُ المسلمين وأصلبهم في أمر الله عز وجل) انتهى.

(فقال النبيُّ) الأعظم (صلَّى الله عليه وسلَّم) أي: لأصحابه الذين معه حين رأى المرأة تريد الرُّجوع إلى أهلها: (اجمعوا لها)؛ أي: من الزَّاد مكافأةً لها بما أخذ من مائها وتطييبًا لخاطرها، حيث حُبِسَتْ في ذلك الوقت عن المسير إلى قومها، وحيث طاوعتهما في المجيء إلى النَّبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم من غير مُقاتلة، فإنَّه إذا امتنع صاحب الماء عن دفعه وهو غير محتاج إليه للعطش، وهنالك مضطر إليه للعطش؛ كان له أخذه منه قهرًا، وله أنْ يُقاتله، كما في «السِّراج الوهَّاج»، وينبغي تقييده بما إذا امتنع من دفعه مجانًا أو بالثمن، وللمُضطر ثمنه، وذكروا في باب (الشُّرب) : أنَّ له أنْ يُقاتله بالسِّلاح.

قال في «الدرُّ المُختار» : (هذا في غير المحرز بالأواني، أما المحرز؛ فيقاتله بغير السِّلاح إذا كان فيه فضل عن حاجته لملكه له بالإحراز، فصار نظير الطعام) انتهى، ومثله في «المنح» و «التبيين».

وأما في البئر ونحوه؛ الأَولى أنْ يقُاتله بغير سلاح؛ لأنَّه قد ارتكب معصية، فكان كالتعزير، كما في «الكافي»، فإنْ قاتله وكان المقتول ربَّ الماء؛ فدمه هدرٌ لا قِصَاص فيه، ولا دية، ولا كفَّارة، كذا في «السِّراج»، ويبقى (٤) أن يَضمن المُضطر قيمة الماء، كما في «حواشي الشَّرنبلالي»، وإنْ كان المقتول المضطر؛ فهو مضمون إما بالقصاص إن كان القتل عمدًا؛ كأنْ قتله بمحدد، وإما بالدية إن كان القتل شِبه عمد، أو خطأ، أو جرى مجرى الخطأ، والدية على العاقلة، وعلى القاتل الكفارة، أفاده صاحب «البحر».

قال في «السِّراج» : (وإن كان صاحب الماء محتاجًا إليه للعطش؛ فهو أولى به من غيره، فإن احتاج إليه الأجنبي للوضوء؛ لم يلزمه بذله، ولا يجوز للأجنبي أخذه منه قهرًا) انتهى، وتمامه في شرحنا «منهل الطُّلاب».

(فجمعوا لها من بين) وفي رواية: (ما بين) (عجوة) : وهي تمر من أجود التَّمر بالمدينة، وقال ابن التين: (العجوة: نوع من تمر المدينة أكبر من الصيحاني، وتسمَّى اللينة)، كذا في «عمدة القاري»،


(١) في الأصل: (سلم)، وهو تحريف.
(٢) في الأصل: (وجودا)، وهو تحريف.
(٣) في الأصل: (سرعة)، ولعله تحريف.
(٤) في الأصل: (ويبغى)، وهو تصحيف.

<<  <   >  >>