للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

(ودَقيقة وسَويقة)؛ بفتح أولهما، وفي رواية كريمة؛ بضمِّ الدال؛ مصغرًا، وزعم الكرماني: (دقيقه وسويقه) رويا مكبرين ومصغرين، كذا في «عُمدة القاري» (حتى جمعوا لها طعامًا) زاد أحمد في رِوايته: (كثيرًا)، والطَّعام: كل ما يُؤْكل، وربَّما خصَّ الطَّعام بالبرِّ، قاله الجوهري، وفي حديث أبي سَعِيْد: كنَّا نخرج صدقة الفطر على عهد رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم صاعًا من طعام أو صاعًا من شعير، كذا في «عمدة القاري»، وزعم ابن حجر أنَّ فيه إطلاق لفظ الطَّعام على غير الحِنطة والذُّرة خلافًا لمن أبى ذلك.

وردَّه إمام الشَّارحين فقال: (قلتُ: هذا القول منه يخالف قول أهل اللُّغة جميعًا، والمراد ههنا من الطعام: غير ما ذكر من العجوة، وهو أعم من أن يكون حِنطةً، أو شعيرًا، أو كعكًا، أو نحو ذلك) انتهى.

(فجعلوه)؛ أي: الذي جمعوه من عجوة، ودقيقة، وسويقة، ونحوها، وفي رواية أبي ذرِّ: (فجعلوها)؛ أي: العجوة، والدقيقة، والسويقة

وزعم الكرماني أنَّ الضمير في (جعلوه) يرجع إلى الطعام، وفي (جعلوها) يرجع إلى الأنواع المذكورة.

وردَّه إمام الشَّارحين؛ حيث قال: (قلت: لم يجعلوا الطعام وحده في الثَّوب حتى يرجع الضمير إليه، والصواب من القول: أنَّ الضمير فيه يرجع إلى كلِّ واحد باعتبار المذكور) انتهى.

قلت: وهو وجيه، كما لا يخفى.

(في ثوبٍ)؛ يعني: كان معها ملك لها، (وحمَلوها)؛ بتخفيف الميم؛ أي: المرأة المذكورة (على بعيرها)؛ أي: الذي جاءت عليه، (ووضعوا الثَّوب)؛ أي: الذي جعلوا فيه هذه الأطعمة (بين يديها)؛ أي: قُدامها على البعير، ولم يذكر تحميلهم المزادة، والظاهر: أنَّه مفهوم من قوله: (وحمَّلوها)؛ بتشديد الميم؛ لأنَّه يُحتاج إلى مشقةٍ وتعبٍ حيث يحملون المزادتين أولًا، ويشدونهما (١) على البعير، ويحملونها (٢) بعده عليه، فاقتُصر عليه؛ لأنَّ الحاجة إلى المزادتين أبلغ؛ لأنَّ الماء حياة الأبدان والطعام غذاؤها، فالأول أبلغ؛ فافهم.

(قال لها)؛ أي: النَّبي الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم، وفي رواية الأصيلي: (قالوا لها)؛ أي: الصَّحابة الذين معه بأمره صلَّى الله عليه وسلَّم: (تَعْلَمِين)؛ بفتح المثناة الفوقية، وسكون العين المهملة، وتخفيف اللام، مفرد مؤنث من باب (علم يعلم)، وزعم ابن حجر أنه بفتح التاء، والعين، وتشديد اللام؛ أي: اعلمي.

وردَّه إمام الشَّارحين حيث قال: قلت: لا حاجة إلى هذا التَّعسف، وإنَّما هو مفرد مخاطب مؤنث من باب (علم يعلم) انتهى.

(ما رَزِئْنا)؛ بفتح الراء، وكسر الزاي، بعدها همزة ساكنة؛ أي: ما نقصنا، وزعم الكرماني أنَّه بفتح الزاي، قال إمام الشَّارحين: (الكسر هو الأشهر، يقال: ما رزأته وما رزئته -بالكسر- ماله؛ أي: نقصته، وارتزأ الشيء: انتقص) انتهى، (من مائك شيئًا)؛ أي: فجميع ما أخذنا من الماء مما زاده الله تعالى، وأوجده، ويؤيده قوله: (ولكنَّ الله هو الذي أسقانا)؛ بالهمزة أوله، وفي رواية ابن عساكر: (سقانا)؛ بإسقاطها، (فأتت أهلها)؛ يعني: قومها، وفيه حذفٌ؛ تقديره: فلما قالوا لها ذلك، وسمعته؛ ذهبت من منزل النَّبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم فسارت في الطَّريق وحدها إلى أن وصلت إلى قومها، (وقد احتبست عنهم) مدة يَسيرة زائدة عن عادتها؛ لأنَّها جاءتهم في اليوم الثاني لخروجها من عندهم يدلُّ عليه قولها فيما سبق: (عهدي بالماء أمس)؛ فتأمل.

(فقالوا) وفي رواية: (قالوا)؛ يعني: أهلها، والمراد: قومها؛ لأنَّه أعم، وقوله: (لها) ثابتٌ في رواية الأصيلي، ساقط في غيرها (ما حَبَسكِ) يعني: أي شيء حبسك (يا فلانة؟) كناية عن اسم مؤنث مبهم، (قالت: العجبُ!) : مرفوع بفعل مقدر؛ تقديره: حبسني العجب، وهو الأمر الذي يُتَعَجَّب منه لغرابته، وكذلك العجيب، والعُجائب؛ بالضم والتخفيف، والعُجَّائب بالتشديد أكثر منه، وكذلك الأعجوبة، ولا يجمع عجب ولا عجيب، ويقال: جمع عجيب: عجائب؛ مثل: تبيع وتبائع، و (أعاجيب) جمع: (أعجوبة)؛ كـ (الأحاديث) جمع: (أحدوثة)، وعجبت من كذا، وتعجبت منه، واستعجبت كلها بمعنًى، وأعجبني هذا الشيء لحُسنه، وعجبت غيري تعجييًا، والعُجْب؛ بضمِّ العين المهملة، وسكون الجيم: اسم من أُعجب فلان بنفسه؛ فهو مُعجبٌ برأيه وبنفسه، كذا في «عُمدة القَاري»، (لقيني) أي: في الطَّريق بعد ما ملأت المزادتين (رجلان) وكأنها لم تعلم باسمهما، (فذهبا بي إلى هذا) وقوله: (الرَّجل) ثابت في رواية أبي ذرٍّ، ساقطٌ في غيرها (الذي يُقال) بضمِّ المثناة التحتية أوَّله (له) عند المشركين، وأهل الكتاب: (الصَّابئ)؛ بالهمزة، وبغيرها روايتان، فالأول: من صبأ؛ إذا خرج من دين إلى دين، والثاني: من صبا يصبو؛ إذا مال، وسيأتي، (ففعل كذا وكذا)؛ يعني: بالمزادتين حيث أفرغ منهما في إناء، فمضمض، ثم ألقى فيهما وربط الوكاء، وأطلق العزالي، ونادى منادٍ في الجيش: اسقوا واستقوا؛ فسقى من شاء، واستقى من شاء، وأعطى رجلًا إناء، فأمره أن يغتسل به وإنَّ الماء قد زاد، ووجد أكثر مما كان أولًا، وقال لي: «ما رزِئنا من مائك شيئًا»، وجمعوا لي هذا الطعام الذي في هذا الثَّوب، فأفرغته بين أيديهم، ثُمَّ قالت: (فوالله إنه لأسخى النَّاس) من السَّخاء؛ يعني: كثيره، وفي رواية: (لأسحر) من السحر؛ لأنَّها رأت شيئًا عجيبًا في زعمها؛ حيث شاهدت من دلائل نُبوته، وباهر مُعجزاته أنَّهم توضؤوا وشربوا، وسقوا دوابهم، واغتسل الجُنب مما سقط من العزالي، وبقيت المزادتان مملوءتان ببركته، وعظيم بُرهانه، فزعمتْ أنَّه سِحْر؛ لأنَّه خارقٌ للعادة، وما هو بسحر، إنْ هو إلا مُعجزة نبيٍّ مرسل صلى الله تعالى عليه وسلم (من بين هذه وهذه)؛ يعني: السماء والأرض، وكان المُناسب أن تقول: (في بين) بلفظة (في)، وأجيب: بأن (مِن) بيانية مع جواز استعمال حروف الجر بعضها مكان بعض، كذا في «عُمدة القَاري»، (وقالتْ)؛ أي: أشارت (بإصبعها) فهو من إطلاق القول على الفعل، وقد مرَّ نظيره (الوسطى والسَّبابة)؛ بالسِّين المهملة فيهما، وإنما سميت وسطى؛ لتوسطها بين الأصابع الخمسة، وسميت سبَّابة؛ لأنَّه يشار بها عند السَّبِّ والمخاصمة، وهي المُسبِّحة، وسمِّيت بذلك؛ لأنَّه يشار بها إلى التَّوحيد


(١) في الأصل: (ويشدوهما)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (ويحملوها)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>