زيد الكاتب الفلاني، ولا يقتصر على زيد مثلًا؛ لأنَّ المسمى بزيد كثير، فيشتبه عليه، بل يذكر الشيء الذي هو مشهور به بين الناس، أفاده إمام الشَّارحين.
(قال) أي: الخازن: (هل معك أحد)؛ أي: من الأنبياء عليهم السلام، وهذا يدل على أنَّ الخازن عنده علم وعادة في مجيء نبي من الأنبياء عليهم السلام مع جبريل، وأن عادة جبريل هذه، وهذا يدل على أن عروجه عليه السَّلام كان بروحه؛ إذ لو لم يكن بروحه؛ لما قال: هل معك أحد؟ فإنَّ هذا يدل على أن عادة جبريل المجيء للخازن ومعه أحد من الأنبياء عليهم السلام، لكن قد يقال: إن مجيئهم ليس لأجل المعراج، بل تأتي روحهم لأجل دخول الجنة، فالمعراج خاص بنبينا عليه السَّلام؛ فتأمل.
(قال) جبريل للخازن: (نعم) معي (محمد)؛ أي: النبي الأعظم سيد الأنبياء ورئيسهم صلى الله تعالى عليه وسلم، (قال) أي: الخازن: (أأرسل إليه؟)؛ بهمزتين؛ أولاهما: للاستفهام، وهي مفتوحة، والثانية: همزة التعدية، وهي مضمومة، وفي رواية الكشميهني: (أوَأرسل؟)؛ بواو مفتوحة بين الهمزتين، وهذا السؤال من الملك الذي هو خازن السماء، يحتمل وجهين؛ أحدهما: الاستعجاب بما أنعم الله تعالى عليه من هذا التعظيم والإجلال حتى أصعده إلى السماوات، والثاني: الاستبشار بعروجه؛ إذ كان من اليقين (١) عندهم أن أحدًا من البشر لا يرتقي إلى أسباب السماء من غير أن يأذن الله له ويأمر ملائكته بإصعاده، أفاده في «عمدة القاري»، وزعم ابن حجر: أنه يحتمل أن يكون قد خفي عليه أصل إرساله؛ لاشتغاله بعبادته، ورده إمام الشَّارحين فقال: كيف يخفى عليه ذلك؛ لاشتغاله بعبادته، وقد قال أولًا: من هذا؟ حين قال جبريل: افتح، وقال أيضًا: هل معك أحد؟ قال جبريل: نعم؛ معي محمد، وأين الخفاء بعد ذلك، وأين الاشتغال بالعبادة في هذا الوقت وهو وقت المحاورة والسؤال، وأمر نبوته كان مشهورًا في الملكوت؛ لأنَّها لا تخفى على خزان السماوات وحراسها؟! فحينئذٍ لا يكون السؤال عن أصل الرسالة، وإنما كان سؤالًا عن أنه أرسل إليه للعروج والإسراء، فحينئذٍ احتمل سؤالهم الوجهين المذكورين.
فإن قلت: جاء في رواية شريك: (أو قد بعث إليه؟)، وهذا يؤيد ما قاله هذا القائل.
قلت: معنى (أرسل) و (بعث) سواء على أنَّ المعنى هنا أيضًا: أو قد بعث إلى هذا المكان؟! وذلك استعجاب منه واستعظام لأمره) انتهى كلامه.
قلت: وقوله: (لاشتغاله بعبادته) : لا يخفى على من له أدنى ذوق في العلم أن عبادته حراسته لباب السماء، وقعوده عند بابها، وذلك بأمر من الله عز وجل، فأمره سبحانه وتعالى لا ريب أنه عبادة، وهذه العبادة عظيمة، ويفهم من قول الخازن: أأرسل إليه؟ أنه إذا لم يكن قد أرسل إليه لا يفتح الباب له، وهو كذلك؛ لأنَّ الأنبياء معصومون من المعاصي، والسماء لم يعص فيها أحد قط، فإذا كان نبيًّا؛ فتح له، وإلا؛ فلا، وهذا يدل على بطلان قول من يقول: إن غير الأنبياء عليهم السلام يفتح لهم كالمتصوفة، والمتزندقة، وزعموا العصمة لهم، فهذا الحديث يدل صريحًا على أن غير المرسلين عليهم السلام لا يفتح له الخازن الباب، وأنَّهم غير معصومين، والأنبياء عليهم السلام معصومون، ولا تجوز العصمة إلا لهم عليهم السلام، وهذا قول أهل التحقيق من أهل السنة والجماعة؛ فليحفظ.
(قال) أي: جبريل: (نعم) أرسل إليه، ففتح لهما، (فلما فتح) أي: الخازن الباب؛ (علونا السماء الدنيا) : ضمير الجمع فيه يدل على أنه كان معهما ملائكة آخرون، فكأنَّهما كلما عديا سماء؛ تشيعها الملائكة إلى أن يصلا إلى سماء أخرى، و (الدنيا) صفة (السماء) في محل النصب بمعنى: أنه لا يظهر النصب، كذا قاله إمام الشَّارحين في «عمدة القاري»، وتبعه الشراح منهم القسطلاني.
قلت: والمراد بضمير الجمع هو (نا) في (علونا)، فإنها للمتكلم، ومعه غيره، كما هو معلوم، فالنبي الأعظم، والثاني: جبريل، والثالث: الخازن، وغيره، ولا ريب أن ذلك جمع، فصدق عليه أنه ضمير جمع، وإنما لم يظهر النصب في (الدنيا)؛ لوجود الألف التي هي أخت الفتحة، فاشتركا في مخرج واحد، فلم يظهر النصب؛ فليحفظ.
وفي «عمدة القاري» : (وفي الحديث: أن رسول الرجل يقوم مقام إذنه؛ لأنَّ الخازن لم يتوقف عن الفتح له على الوحي إليه بذلك، بل عمل بلازم الإرسال إليه) انتهى.
قلت: فإن كان قد أرسل إليه؛ يفتح له، وإلا؛ فلا؛ فليحفظ.
(فإذا رجل قاعد) وفي رواية: (إذا)؛ بدون الفاء، وكلمة (إذا) للمفاجأة، وتختص بالجملة الاسمية؛ للمفاجأة، ولا تحتاج إلى جواب، وهي حرف عند الأخفش، وظرف مكان عند المبرد، وظرف زمان عند الزجاج، (على يمينه أَسودة)؛ بفتح الهمزة، جمع سواد؛ كالأزمنة جمع زمان، والسواد: الشخص، وقيل: الجماعات، وسواد الناس: عوامهم، وكل عدد كثير، ويقال: هي الأشخاص من كل شيء، وقال أبو عبيد: هو شخص كل شيء من متاع أو غيره، والجمع أسودة، وأساود جمع الجمع، كذا في «عمدة القاري».
(وعلى يساره أسودة) كذلك، (إذا نظر قِبَل)؛ بكسر القاف، وفتح الموحدة؛ أي: جهة (يمينه) كلام إضافي، منصوب بقوله: (نظر) (ضحك) جواب (إذا) فرحًا مسرورًا، (وإذا) للمفاجأة أيضًا كما سبق (نظر قِبَل)؛ بكسر القاف، وفتح الموحدة؛ أي: جهة (شماله) وللأربعة: (يساره) كلام إضافي، منصوب بقوله: (نظر) (بكى) حزنًا وتأسفًا، (قال)؛ أي: هذا الرجل (مَرحبًا)؛ بفتح الميم، منصوب بأنه مفعول مطلق؛ أي: أصبت سعة لا ضيقًا، والنصب فيه كما في قولهم: أهلًا وسهلًا؛ ومعناه: أصبت رحبًا وسهلًا، فاستأنس ولا تتوحش، وهي وأمثالها كلمة تقال عند تأنيس القادم (بالنبي الصالح، والابن الصالح) ومعنى (الصالح) : هو القائم بحقوق الله تعالى، وحقوق العباد، وكلهم قالوا له: (بالنبي الصالح)؛ لشموله على سائر الخلال المحمودة الممدوحة من الصدق، والأمانة،
(١) في الأصل: (التين)، وهو تحريف.