للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ففرض الله) زاد الأصيلي: (عزَّ وجلَّ) (على أمتي خمسين صلاة) وعند مسلم من رواية أنس: (ففرض الله علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة)، ونحوه من رواية مالك بن صعصعة عند المؤلف، فيحتمل أن يقال: في كل من رواية الباب، والرواية الأخرى اختصارًا، ويقال: ذكر الفرض عليه يستلزم الفرض على أمته وبالعكس إلا ما يستثنى من خصائصه، كذا في «عمدة القاري»، (فرجعت بذلك)؛ أي: قال النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم: فرجعت من المكان الذي عرجت منه مصاحبًا للصلوات المفروضات عليَّ وعلى أمتي (حتى مررت على موسى) : هو ابن عمران عليه السَّلام صاحب الخضر عليه السَّلام، (فقال: ما فرض الله لك على أمتك)؛ يعني: ما فرض الله على أمتك بمصاحبتك من الصلوات؟ أو ما فرض الله لأجلك على أمتك من الصلوات؟ (قلت)؛ أي: قال النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم: قلت لموسى: (فرض)؛ أي: الله علي وعلى أمتي (خمسين صلاة) في كل يوم وليلة، (قال موسى: فارجع إلى ربك)؛ أي: إلى الموضع الذي ناجيت فيه ربك أولًا، (فإن أمتك لا تطيق) وقوله: (ذلك)؛ أي: إقامة خمسين صلاة في كل يوم وليلة ثابت في رواية، ساقط في أخرى.

فإن قلت: ما وجه اعتناء موسى عليه السَّلام بهذه الأمة من بين سائر الأنبياء عليهم السلام الذين رآهم النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم ليلة الإسراء؟

قلت: أجيب: بأنه قد ورد عن موسى أنه قال: يارب؛ اجعلني من أمة محمد صلَّى الله عليه وسلَّم؛ لما رأى من كرامتهم على ربهم، فكان اعتناؤه بأمرهم وإشفاقه عليهم كما يعتني بالقوم من هو منهم، وقال الداودي: (إنما كان ذلك من موسى عليه السَّلام؛ لأنَّه أول من سبق إليه حين فرضت الصلاة فجعل الله في قلب موسى من ذلك؛ ليتم ما سبق من علمه عز وجل)، كذا في «عمدة القاري».

قلت: ويحتمل أنه عليه السَّلام لما عالج بني إسرائيل، وحصل له منهم ما وقع، وعلم أنَّ الفرائض خمسون كثيرة لا يستطاع أداؤها في كل يوم وليلة، وعلم أن أمة نبينا عليه السَّلام أضعف الأمم من حيث إنه عليه السَّلام قال: «بعثت بالدين الحنيفية السمحة»، وأنَّهم خير أمة من حيث كثرة الثواب، فخاف ألَّا تقبل الأمة الخبر المرقوم، ولا يستطيعون لفعله، وأنه عليه السَّلام قام مقامًا يغبطه فيه الأولون والآخرون، فخاف أن يكون مقامه عبثًا، فأخبره بعدم الإطاقة حتى يكون مقامه معمولًا بمقتضاه مستوجبًا للفوز في الآخرة، فلهذا قال نبينا عليه السَّلام: (فراجعت)؛ أي: ربي في تخفيفها، وفي رواية: (فراجعني)، والمعنى واحد، والرواية الأولى للأربعة، وعزاها إمام الشَّارحين للكشميهني، والثانية لغيره، (فوضع)؛ أي: حط ربي عني، وعن أمتي (شطرها) وفي رواية مالك بن صعصعة: (فوضع عني عشرًا)، ومثله لشريك، وفي رواية ثابت: (فحط عني خمسًا)، والشَّطْر؛ بفتح الشين المعجمة، وسكون الطاء المهملة، قال الكرماني: (هو النصف).

قلت: وهو بعيد لم يرد في كلام العرب، وإنما الذي ورد في كلام العرب: أنَّ الشطر: هو البعض، وقد جاء بمعنى: الجهة أيضًا، ورواية مالك وثابت المذكورتان تدلان على أنَّ المراد بالشطر: هو البعض؛ فليحفظ.

وزاد ثابت في روايته: أن التخفيف كان خمسًا خمسًا، ولا يخفى أن هذه زيادة من ثقة وهي مقبولة معتمدة، فينبغي حمل ما في الروايات عليها، كما سيأتي.

(فرجعت إلى موسى) عليه السَّلام؛ أي: المكان الذي فيه موسى (فقلت) : وفي رواية: (قلت)؛ يعني: لموسى (وضع) أي: حط عني، وعن أمتي ربي (شطرها) أيضًا، (فقال) : وفي رواية: (قال)؛ أي: موسى (راجع ربك)، وفي رواية: (ارجع إلى ربك)؛ يعني: فاسأله التخفيف، (فإن أمتك لا تطيق)؛ أي: لا تستطيع العمل بذلك، (فراجعت) ولابن عساكر: (فرجعت)؛ أي: إلى ربي، (فوضع) أي: حط عني، وعن أمتي (شطرها) أيضًا، قال الكرماني: (الشطر: هو النصف، ففي المراجعة الأولى وضع خمسًا (١) وعشرين، وفي الثانية ثلاثة عشر؛ يعني: بتكميل المنكسر؛ إذ لا معنى لوضع بعض صلاة، وفي الثالثة سبعًا (٢)).

ورده إمام الشَّارحين فقال: (هذا كلام لا يتجه، وهو يخالف ظاهر عبارة حديث الباب؛ لأنَّ المراجعة المذكورة فيه ثلاث مرات، ولم يجعل الوضع إلا في المرتين الأوليين، وفي المرة الثالثة قال: «هن خمس وهن خمسون»، فلم يحصل الوضع ههنا، ويلزم من كلامه أن تكون المراجعة أربع مرات؛ في الأولى الشطر، وفي الثانية ثلاثة عشر، وفي الثالثة سبعة، وفي الرابعة قال: «هن خمس»، وليس الأمر كذلك).

وزعم ابن المنير أن ذكر الشطر أعم من كونه وضع دفعة واحدة، وزعم ابن حجر قلت: وكذا العشر، فكأنه وضع العشر في دفعتين، والشطر في خمس دفعات، ورده إمام الشَّارحين فقال: (هذا يكون سبع دفعات، ففي المراجعة الأولى دفعتان، وهما عشرون كل دفعة عشرة، وفي الثانية يكون خمس دفعات كل دفعة خمس، فيصير خمسة وعشرين، ولكن هل كل دفعة في مراجعة، فيصير سبع مراجعات؟ أو دفعتان في المراجعة الأولى، وخمس دفعات في الثانية؟ ولكل منهما وجه بالاحتمال، ولكن ظواهر الروايات لا تساعد شيئًا من ذلك إلا بالتأويل، وهو أن يكون المراد من الشطر: البعض، وقد جاء ذلك في كلام العرب، وجاء أيضًا بمعنى: الجهة؛ كما في قوله تعالى: {فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: ١٤٤]؛ أي: جهته، وإذا كان كذلك؛ يكون المراد من الشطر في المراجعة الأولى: العشر مرتين، وفي الثانية: الخمس خمس مرات، فتكون الجملة خمسة وأربعين.

فإن قلت: إذا كان الفرض أولًا هو الخمسون؛ كيف جاز


(١) في الأصل: (خمس)، ولعل المثبت هو الصواب.
(٢) في الأصل: (سبعة)، ولعل المثبت هو الصواب.

<<  <   >  >>