للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

النووي آنفًا؛ فافهم.

(فقام رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فكبَّر)؛ أي للصلاة.

قال إمام الشَّارحين: (وهذا يدلُّ على أنه حين دخل؛ جلس، ثم قام، فكبر للصلاة، وبينه وبين ما قبله تعارض، ويمكن دفعه بأن يقال: لما دخل قبل أن يجلس؛ قال: أين تحب؟ ويحتمل أنَّه جلس بعده جلوسًا، ثم قام، فكبر) انتهى.

قلت: والظاهر: الأول، وهو أنه عليه السَّلام لما دخل؛ قال لعتبان: «أين تحب أن أصلي من بيتك؟» فأشار له إلى ناحية من البيت، فجلس فيها إمَّا لأجل الاستراحة، وإما لانتظار مجيء بقية الصحابة، فلما أخذ الراحة أو حضر بقية القوم؛ قام، فكبر، وأمَّا الاحتمال الثاني؛ فبعيد؛ لأنَّه قال: فلم يجلس حين دخل البيت، ثم قال: (وقد يقال: إنَّ معناه: فلم يجلس جلوسًا طويلًا، بل خفيفًا)؛ فافهم

(فقمنا فصففنا)؛ بالفكِّ للأربعة، و (نا) فاعل، ولغيرهم: (فصفَّنا)؛ بالإدغام، و (نا) مفعول؛ أي: حوله أو جعلنا صفًّا حوله، (فصلى) عليه السَّلام (ركعتين، ثم سلم)؛ أي: من صلاته، ففيه دليل على مشروعية صلاة النافلة في جماعة بالنهار، وأنه لا كراهة فيه؛ حيث كان على سبيل التداعي، كما صرح به أئمتنا الأعلام.

وليس في الحديث دليل على أن السنة في نوافل النهار ركعتان؛ لأنَّ هذه الصلاة كانت خصوصية لعتبان بدليل أنه سأله أن يصلي في بيته؛ ليتخذه مصلًّى، وأوعده عليه السَّلام بأنَّه سيفعل ذلك، فلم يُخْلِف وعده، وصلى ركعتين؛ تطييبًا لخاطره، وخصوصية له، بل كانت عادته عليه السَّلام في صلاة النهار الأربع كالليل؛ ولهذا قال أئمتنا الأعلام: الأفضل في الليل والنهار الأربع، والدليل عليه: حديث عائشة المروي في «الصحيحين» قالت: «كان النبيُّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم يصلي بالليل أربع ركعات لا تسأل عن حسنهن وطولهن»، وفيهما عنها: «أنَّه عليه السَّلام كان يصلي الضحى أربعًا»، وقد ثبتت مواظبته على الأربع نهارًا، وكلمة (كان) تدل على: الدوام والاستمرار، وهذا هو المذهب الصواب المختار، وهو حجة على الشافعي وغيره في أنَّ الأفضل في النهار والليل مثنى مثنى؛ فافهم.

(قال) أي: عتبان: (وحبسناه) (١)؛ أي: منعناه بعد الصلاة عن الرجوع (على خَزِيْرَة صنعناها له)؛ بفتح الخاء المعجمة، وكسر الزاي، وسكون التحتية، وفتح الراء، آخره هاء تأنيث، قال ابن سيده: (هي اللحم الغاث -بالمثلثة-؛ أي: المهزول يؤخذ، فيقطع صغارًا، ثم يطبخ بالماء، فإذا أميت طبخًا؛ ذرَّ عليه الدقيق، فعصد به (٢)، ثم أدم بأي إدام شِيْءَ، ولا تكون الخزيرة إلا وفيها اللحم، وقيل: هي بلالة النخالة تصفَّى، ثم تطبخ، وقيل: هي الحساء من الدسم والدقيق).

وعن أبي الهيثم: (إذا كان من دقيق؛ فهي خزيرة، وإذا كان من نخالة؛ فهي حريرة)؛ بالمهملات.

وفي «الجمهرة» لابن دريد: (الخزيرة: دقيق يلبك بشحم كانت العرب تعير بأكله، وفي موضع: يعيَّر به بنو مجاشع، قال: والخزيرة: السخينة (٣)).

وقال الفارسي: (أكثر هذا الباب على فعيلة؛ لأنَّه في معنى مفعول).

وفي رواية الأوزاعي عند مسلم: (على جشيشة)؛ بجيم ومعجمتين.

قال أهل اللغة: (هي أن تطحن الحنطة قليلًا، ثم يلقى فيها شحم أو غيره).

وفي «المطالع» : (أنها رويت في «الصحيحين» بحاء وراءين مهملات).

وحكى البخاري في (الأطعمة) عن النضر: (أنها تصنع من اللبن)؛ كذا في «عمدة القاري».

قلت: والحريرة؛ بالحاء والراءين المهملات، هو المعروف، وهي دقيق يطبخ بالماء، ويوضع معها السمن، وهو الموافق؛ لما في «المطالع»، فما ذكره إمام الشَّارحين اصطلاح في اللغة القديمة، وإنَّما المعروف ما ذكرناه، لكنَّ الفرق بين المهمل والمعجم، فاللغة بالمعجم، وتصحف الناس، فاستعملوها بالمهمل، وهو الموافق لرواية «الصحيحين» في غير هذا الموضع؛ فافهم.

(قال) أي: عتبان: (فثاب)؛ بالمثلثة والموحدة بينهما ألف؛ أي: جاء، يقال: ثاب الرجل: إذا رجع بعد ذهابه.

وقال ابن سيده: (ثاب الشيء ثوبًا وثؤبًا: رجع، وثاب جسمه ثوبانًا: أقبل).

وقال الخليل: (المثابة: مجتمع الناس بعد افتراقهم، ومنه قيل للميت: مثابة)، كذا في «عمدة القاري».

(في البيت رجال)؛ أي: اجتمعوا وجاؤوا، وكلمة (في) بمعنى: (إلى)؛ لأنَّ الحروف ينوب بعضها عن بعض (من أهل الدار)؛ أي: من أهل المحلة؛ لقوله عليه السَّلام: «خير دور الأنصار دار بني النجار»؛ أي: محلتهم، والمراد: أهلها، ويقال: الدار: القبيلة أيضًا (ذو عدد)؛ أي: أصحاب عدد، والمراد به: الكثرة، فجاء بعضهم إثر بعض، وإنَّما جاؤوا؛ لسماعهم بقدوم النبيِّ الأعظم صلَّى الله عليه وسلَّم؛ فافهم.

(فاجتمعوا)؛ (الفاء) عاطفة، وهو يقتضي المغايرة، والمعنى هنا: أنَّهم اجتمعوا داخل البيت، وتفسير إمام الشَّارحين (ثاب) : باجتمعوا صحيح، والمعنى: أنَّهم اجتمعوا في الدار، وهذا الاجتماع هو غير ذاك الاجتماع؛ لأنَّه هنا كان اجتماعهم داخل البيت، وهناك كان اجتماعهم في الدار؛ بعضهم عند بابها، وبعضهم في دهليزها، وبعضهم على باب البيت، وبعضهم داخل البيت، وعلى هذا؛ قد حصل التغاير بين المعطوفين، وبهذا التقرير سقط ما زعمه القسطلاني تبعًا «للمصابيح» من أنه لا يَحْسُنُ تفسير (ثاب رجال) : باجتمعوا؛ لأنَّه يلزم منه عطف الشيء على مرادفه، وهو خلاف الأصل، فالأولى تفسيره: بجاء بعضهم إثر بعض) انتهى.

قلت: بل يَحْسُن تفسير (ثاب) بـ (اجتمعوا)، ولا يلزم منه عطف الشيء على مرادفه؛ لأنَّ معنى (ثاب رجال) : اجتمعوا في الدار متفرقين فيها، ومعنى (فاجتمعوا)؛ يعني: في داخل البيت غير متفرقين، كما قررناه؛ فافهم.

(فقال قائل منهم) لم يسم هذا القائل، قاله إمام الشَّارحين: (أين مالك بن الدُخَيْشِن)؛ بضمِّ الدال المهملة، وفتح الخاء المعجمة، وسكون التحتية، وكسر الشين المعجمة، آخره نون، (أو ابن الدُخْشُن)؛ بضمِّ الدال المهملة، وسكون الخاء المعجمة، وضم الشين المعجمة، وحُكي كسر أوله، والشك فيه من الراوي هل هو مصغر أو مكبر؟ ووقع في رواية مسلم من طريق معمر: بالشك أيضًا، لكن عند المؤلف في (المحاربين) من رواية معمر: (الدخشن)؛ بالنون مكبرًا من غير شك.

وكذا في رواية مسلم من طريق يونس.

وفي رواية أبي داود الطيالسي: (الدخشم)؛ بالميم.

وكذا في


(١) في الأصل: (وحسبناه)، وليس بصحيح.
(٢) في الأصل: (فعصيدة)، والمثبت موافق لما في «المحكم».
(٣) في الأصل: (السنجينة)، وليس بصحيح.

<<  <   >  >>