وأمره بإحسان السّيرة في الرعايا بتلك البلاد، واختصاصهم بالصّون الرائح الغاد، ونشر جناح الرّعاية على البعيد منهم والقريب، وإحلال كلّ منهم محلّة على القاعدة والترتيب؛ وإشاعة المعدلة فيهم، وإسهام دانيهم من وافر ملاحظته وقاصيهم، وأن يحمى سرحهم من كل داعر، ويذود عنهم كل موارب بالفساد ومظاهر، حتّى تصفو لهم من الأمن الشرائع، وتضفو عليهم من بركة ولايته المدارع، وتستنير بضوء العدل منهم المطالع، ويحترم أكابرهم، ويحنو على أصاغرهم، ويشملهم بكنفه ودرعه، وينتهى في مصالحهم إلى غاية وسعه، ولا يألوهم في النصح جهدا، ولا يخلف لهم في الخير وعدا، ويشاورهم في أمره فإنّ المشورة داعية إلى الفلاح، ومفتاح باب الصلاح، قال الله تعالى:({فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاِسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ، فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ.})
وأمره بإظهار العدل في الرّعية التي تضمها جميع الأكناف والأطراف، والتحلّى من النّصفة بأكمل الأوصاف، وحمل كافّتهم على أقوم جدد، وعصيان الهوى في تقويم كلّ أود، والمساواة بين الفاضل والمفضول في الحقّ إذا ظهر صدق دليله، والاشتمال عليهم بالأمن الذى يعذب لهم برد مقيله، وكشف ظلامة من انبسطت إلى تحيّفه الأيدى والأطماع، وأعجزته النصرة لنفسه والدّفاع، وتصفّح أحوالهم بعين لا ترنو إلى هوى يميل بها عن الواجب، وسمع لا يصغى إلى مقالة مائن ولا كاذب، ولا يغفل عن مصلحة تعود إليهم، ويرجع نفعها عليهم، ولا عن كشف ظلامات بعضهم عن بعض، وردّهم إلى الحقّ في كلّ رفع من أحوالهم وخفض، فلا يرى إلا بالحقّ عاملا، وللأمور على سنن الشريعة حاملا، مجتنبا إغفال مصالحهم وإهمالها، وحارسا نظامها على تتابع الأيام واتصالها،