للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان الخادم لقيهم اللقاة الأولى، فأمدّه الله بمداركته، وأنجده بملائكته؛ فكسرهم كسرة ما بعدها جبر، وصرعهم صرعة لا ينتعش بعدها بمشيئة الله كفر، وأسر منهم من أسرت به السلاسل، وقتل منهم من فتكت به المناصل؛ وأجلت المعركة عن صرعى من الخيل والسلاح [والكفار، وعن أنصاف محيل فإنه قتلهم بالسيوف الأفلاق والرماح الأكسار، فنيلوا بثأر من السلاح ونالوه أيضا بثار] فكم أهلّة سيوف تعارض الضّراب بها حتى صارت كالعراجين؛ وكم أنجم أسنّة تبادلت الطّعان حتى صارت كالمطاعين، وكم فارسية ركض عليها فارسها الشهم إلى أجل فاختلسه، وفغرت تلك القوس فاها فإذا فوها قد نهش القرن على بعد المسافة فافترسه.

وكان اليوم مشهودا، وكانت الملائكة شهودا؛ وكان الكفر مفقودا، والإسلام مولودا، وجعل الله ضلوع الكفار لنار جهنّم وقودا؛ وأسر الملك وبيده أوثق وثائقه، وآكد وصله بالدين وعلائقه، وهو صليب الصلبوت، وقائد أهل الجبروت؛ وما دهموا قطّ بأمر إلا وقام بين دهمائهم يبسط لهم باعه، ويحرضّهم، وكان مدّ اليدين في هذه الدفعة وداعه؛ لا جرم أنهم يتهافت على ناره فراشهم، ويجتمع في ظل ظلامه خشاشهم، ويقاتلون تحت ذلك الصليب أصلب قتال وأصدقه، ويرونه ميثاقا يبنون عليه أشدّ عقد وأوثقه، ويعدونه سورا تحفر حوافر الخيل خندقه.

وفى هذا اليوم أسرت سراتهم، وذهبت دهاتهم [ولم يفلت منهم معروف إلا القومص، وكان لعنه الله مليّا يوم الظّفر بالقتال، ومليّا يوم الخذلان] بالاحتيال، فنجا ولكن كيف، وطار خوفا من أن يلحقه منسر الرمح أو جناح السيف؛ ثم أخذه الله تعالى بعد أيام بيده، وأهلكه لموعده، فكان لعدتهم فذلك، وانتقل من ملك الموت إلى مالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>