وبعد الكسرة مرّ الخادم على البلاد فطواها بما نشر عليها من الراية العباسية السوداء صبغا، البيضاء صنعا، الخافقة هى وقلوب أعدائها، الغالبة هى [وعزائم أوليائها]، المستضاء بأنوارها إذا فتح عينها البشر، وأشارت بأنامل العذبات إلى وجه النصر، فافتتح بلد كذا وكذا، وهذه [كلها] أمصار ومدن، وقد تسمى البلاد بلادا وهى مزارع وفدن؛ وكلّ هذه ذوات معاقل ومعاقر، ومجار وجزائر، وجوامع ومنائر، وجموع وعساكر، يتجاوزها الخادم بعد أن يحرزها، ويتركها وراءه بعد أن ينتهزها، ويحصد منها كفرا ويزرع إيمانا، ويحط من منابر جوامعها صلبانا، ويرفع أذانا، ويبدل المذابح منابر، والكنائس مساجد، ويبوئ بعد أهل الصلبان أهل القرءان للذبّ عن دين الله مقاعد.
ويقرّ عينه وعيون أهل الإسلام أن تعلّق النصر منه ومن عسكره بجار ومجرور، وأن ظفر بكل سور، وما كان يخاف زلزاله وزياله إلى يوم النفخ في الصور.
ولمّا لم يبق إلا القدس وقد اجتمع إليها كلّ شريد منهم وطريد، واعتصم بمنعتها كلّ قريب منهم وبعيد؛ وظنوا أنّها من الله مانعتهم، وأنّ كنيستها إلى الله شافعتهم؛ فلما نازلها الخادم رأى بلدا كبلاد، وجمعا كيوم التناد؛ وعزائم قد تألبت وتألفت على الموت فنزلت بعرصته، وهان عليها مورد السيف وأن تموت بغصّته، فزاول البلد من جانب فإذا أودية عميقة ولجج وعرة غريقة، وسور قد انعطف عطف السّوار، وأبرجة قد نزلت مكان الواسطة من عقد الدار؛ فعدل إلى جهة أخرى كان للمطامع عليها معرّج، وللخيل فيها متولّج، فنزل عليها، وأحاط بها وقرب منها؛ وضرب خيمته بحيث يناله السلاح بأطرافه ويزاحمه السور بأكتافه؛ وقابلها ثمّ قاتلها، ونزلها ثم نازلها، وبرز إليها ثم بارزها، وحاجزها ثم ناجزها، فضمها ضمة ارتقب بعدها الفتح، وصدع أهلها فإذا هم لا يصبرون - على عبودية الخد - عن عتق الصفح، فراسلوه ببذل