للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكتب الملك العادل إلى أخيه السلطان يعرفه ذلك، فورد عليه كتاب السلطان يأمره بضرب رقابهم، بحيث لا يبقى منهم أحد يخبر عن ذلك البحر وطريقه، ففعل ذلك وكفى الله الحرمين الشريفين شر عدو الدين؛ وكتب القاضى الفاضل عن السلطان بالبشارة منه:

" فصل: كان الفرنج قد ركبوا من الأمر نكرا، وافتضوا من البحر بكرا، وعمّروا مراكب بحرية، شحنوها بالمقاتلة والأسلحة والأزواد، وضربوا بها سواحل اليمن والحجاز وأثخنوا وأوغلوا في البلاد، [واشتدت مخافة أهل تلك الجوانب، بل أهل القبلة لما أومض إليهم من خلل العواقب] (١) وما ظن المسلمون إلا أنها الساعة، وقد نشر مطوى (٢) أشراطها، والدنيا وقد طوى منشور بساطها، وانفطر (٣) غضب الله لفناء بيته المحرم، ومقام خليله الأكرم، وتراث أنبيائه (٤) الأقدم، وضريح نبيه الأعظم - صلى الله عليه وسلم -


= فأخذوا فيها مركبا كان يأتى بالحجاج من جدة، وأخذوا أيضا من البر قافلة كبيرة تأتى من قوص إلى عيذاب، وقتلوا الجميع ولم يحيوا أحدا، وأخذوا مركبين كانا مقبلين بتجار من اليمن، وأحرقوا أطعمة كثيرة على ذلك الساحل كانت معدة لميرة مكة والمدينة - أعزهما الله -، وأحدثوا حوادث شنيعة لم يسمع مثلها في الإسلام، ولا انتهى رومى إلى ذلك الموضع قط، ومن أعظمها حادثة تسدّ المسامع شناعة وبشاعة، وذلك أنهم كانوا عازمين على دخول مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وإخراجه من الضريح المقدس، أشاعوا ذلك وأجروا ذكره على ألسنتهم، فأخذهم الله باجترائهم عليه وتعاطيهم ما يحول عناية القدر بينهم وبينه، ولم يكن بينهم وبين المدينة أكثر من مسيرة يوم، فدفع الله عاديتهم بمراكب عمرت من مصر والاسكندرية دخل فيها الحاجب المعروف بلؤلؤ مع أنجاد من المغاربة البحريين، فلحقوا العدو وهو قد قارب النجاة بنفسه، فأخذوا عن آخرهم، وكانت آية من آيات العنايات الجبارية، وأدركوهم عن مدة طويلة كانت بينهم من الزمان نيف على شهر ونصف أو حوله، وقتلوا وأسروا، وفرق من الأسارى على البلاد ليقتلوا بها، ووجه منهم إلى مكة والمدينة، وكفى الله بجميل صنعه الإسلام والمسلمين أمرا عظيما».
(١) ما بين الحاصرتين زيادة عن نص الرسالة الوارد في (الروضتين، ج ٢، ص ٣٧).
(٢) الأصل: «مطوا»، والتصحيح عن الروضتين.
(٣) في الروضتين: «وانتظر».
(٤) الأصل: «بنيانه»، وما هنا عن الروضتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>