للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومحط الندى، ومورد الحياة للولى والردى للعدا، من لطف يتلافى الحادثة ويشعبها ويرأبها، ونعمة تبلغ بها النفوس أربها؛ وموهبة تشد موضع الكلم، وتسد موضع الثلم؛ وتجلى غمائم الغمم، وتحلى مغانم النعم؛ وتستوفى شرائط المناحج، وتستدنى فوارط المصالح، ولم يكن ينسى الحادثة في السيد الأجل الملك المنصور - رضى الله عنه وأرضاه، وجعل الجنة متقلبه ومثواه -، التي كادت لها أواخى الملك تتزعزع، ومبانى التدبير تتضعضع؛ إلا ما نظر فيه أمير المؤمنين بنور الله من اصطفائك أيها السيد الأجل الملك الناصر - أدام الله قدرتك - لأن تقوم بخدمته بعده، وتسد في تقدمة جيوشه مسدّه، وتقفو في ولائه أثره، ولا تفقد منه إلا أثره، فوازت الفادحة فيه النعمة فيك، حتى تستوفى حظّه من أمير المؤمنين بأجر لا يضيع الله فيه عمله، فاستوجب مقعد صدق بما اعتقده من تأدية الأمانة له وحمله؛ واستحق أن ينضّر الله وجهه بما أخلقه الله من جسمه في مواقف الجهاد وبدّله؛ ومضى في ذمام رضا أمير المؤمنين، وهو الذمام الذى لا يقطع الله منه ما أمره أن يصله؛ واتبع من دعائه بتحف أول ما تلقاه بالروح والريحان، وذخرت له من شفاعته ما عليه معوّل أهل الإيمان في الأمان؛ فرعى الله له قطعه البيداء إلى أمير المؤمنين وتجثمه الأسفار، ووطأه المواطئ التي تغيظ الكفار؛ وطلوعه على أبواب أمير المؤمنين طلوع أنوار النهار، وهجرته التي جمعت له أجرين: أجر المهاجرين وأجر الأنصار؛ وشكر له ذلك المسعى الذى بلغ من الشرك الثار، وبلغ [٩٤] الإسلام الإيثار، وما لقى ربّه حتى تعرّض للشهادة بين مختلف الصفاح، ومشتجر الرماح، ومفترق الأجسام من الأرواح، وكانت مشاهدته لأمير المؤمنين أجرا فوق الشهادة، ومنة لله تعالى عليه له بها ما للذين أحسنوا الحسنى وزيادة؛ وحتى رآك أيها السيد الأجل الملك الناصر - أدام الله قدرتك - قد أقررت ناظره، وأرغمت مناظره؛ وشددت سلطانه، وسددت مكانه؛ ورمى بك فأصاب، وسقى بك فصاب، وجمعت ما فيه من أبهة المشيب إلى مافيك من مضاء الشباب، ولقنت

<<  <  ج: ص:  >  >>