الكسرة التي لم يجبر بعدها، وألجئ إلى حصونه التي للحصر أعدها، وكان يومها كريما، ولطف الله فيها عظيما، قضت كل حاجة في النفس، وأغنت المسلمين، فأما العدو بعد يومها فكأن لم يغن بالأمس، وكانت على إثر غزوات قبلها فما الظن بالمجهزة بعد النكس.
ولم يؤخر فتح البلاد بعدها إلا أن فزع الكفار بالشام استصرخ بأصل الكفار من الغرب، فأجابوهم رجالا وفرسانا، وشيبا وشبانا، وزرافات ووحدانا، وبرا وبحرا، ومركبا وظهرا، وركبوا إليهم سهلا ووعرا، وبذلوا ماعونا وذخرا، وما احتاجوا ملوكا ترتادهم ولا أرسانا تقتادهم، بل خرج كلّ يلبى دعوة بطركه، ولا يحتاج إلى عزمة ملكه، وخرجت لهم عدة ملوك أقفلت العجمة على أسمائها، وأتت العزيمة - بحمد الله - على أشخاصها عند لقائها.
ومنهم: ملك الألمان، خرج في جموع برّية، من الله تعالى برية، ملأت الفجاج، وازدحمت فأنفذها العجاج، ومنهم من ركب ثج البحر فركب الأجاج العجاج، وامتطى من البحر مشية الرجاج، لينصر دينا مشبه الزجاج، يقبل الكسر ولا يسرع إليه الجبر، وراكب ذلك الدين كراكب البحر بلا ساحل سلامة، وإلى قاع كفر (كذا).
وجلب الكفار إلى المحصورين بالشام كل مجلوب، وملأوا عليهم ثغريهم من كل مطلوب، ما بين أقوات وأطعمة، وآلات وأسلحة، وشلة وجنه، وحديد مضروب وزبرة، ونقدى ذهب وفضة، إلى أن شحنوا بلادهم رجالا مقاتلة، وذخائر للعاجلة من حربهم والآجلة، لا تشرق شارقة إلا طلعت على العدو من البحر طالعة تعوض من الرجال من قتل، وتخلف من الزاد ما أكل، فهم كل يوم في حصول زيادة، ووفور مادة، وقد هان عليهم موقع الحصر، وأعطاهم البحر ما منعهم البر، وبطروا لما كثروا ونظروا، فإنهم لا يستطيعون