أن يلقوا ويصحروا، ويستطيعون أن يحصروا على أن ينحصروا، ونزلوا على عكا بحيث يمدهم البحر بإمداده، ويصل إلى المقاتل ما يحتاجه من أسلحته وأزواده، وبمن يكثر به من مقاتلته وأجناده، فانقطعت مادة عكا من البحر، وحصرنا منازلهم من العدو من جهة جانب البر، فحدقوا على نفوسهم، وحثوا التراب على رؤوسهم، وعقدت عدتهم مائة ألف أو يزيدون، كلما أفناهم القتل أخلفتهم النجدة، فكأنهم قبل الممات يعودون، فأتممنا بعمارة بحرية لقينا عمارتهم بها، فنفذت عمارتنا إلى الثغر وأوصلت إليه الأقوات التي حمل منها البحر مالا يحمله الظهر، والأسلحة التي أمضاها الله عز وجل بيد الإسلام في صدور الكفر، وما لقينا عمارة العدو بأوفر منها عدة فعدد مراكبهم كبير ولكن لقيناهم بأصدق منها عزمة، والقليل مع العزم الصادق كثير، واستمر مقام العدو محاصرا للثغر، محصورا منا أشدّ الحصر، لا يستطيع قتال الثغر لأنا من خلفه، ولا يستطيع الخروج إلينا خوفا من حتفه، ولا نستطيع نحن الدخول إليه، لأنه قد سوّر وخندق، وحاجز من وراء الحجرات وأغلق.
ولما خرج ملك الألمان بحشده وسمعته التي هى منه أحشد، وعاد جيشه الملعون على رسم قديم إلى الشام، فكان العود لأمة أحمد - صلى الله عليه وسلم - أحمد، قويت به نفوسهم، وجمحت به رؤوسهم، وظنوا أنه يزعجنا من مخيمنا، ويخرجنا من خيمنا، فبعثنا إليه من يلقاه بعساكرنا الشمالية فسلك ذات الشمال متوعرا فيها، محتجزا عن لقائها، مظهرا أنه ضريع داء وما به غير دائها.
وكان أبوه الطاغية ملك الألمان شيبة اللعن اللعين، قائد جيشه إلى سجن سجين: قد هلك في طريقه غرقا، وخاض الماء فخاضه الماء شرقا، وبقى له ولد هو الآن المقدم المؤخر، وقائد الجمع المكسر، وربما وصل بهم إلى عكا في البحر، تهيبا أن يسلك البر، ولو سبق أصحابنا إلى عساكر الألمان قبل دخولها إلى أنطاكية لأخذوه أخذا سريعا، وسبق بحر سيوفهم إلى أن يكون الطاغية فيه - لا في النهر -