صريعا، ولكن لله المشيئة في البرية، والطاغية إنما يمشى إلى البلية، فإنه لولا احتجاز مقيمهم بالخنادق، واجتياز واصلهم بالمضائق، لكان لنا ولهم شأن، وكان ليومنا في النصرة الكبرى بحول الله ثان لا يثنيه من العدو ثان.
ولما كانت حضرة سلطان الإسلام، وقائد المجاهدين إلى دار السلام، أولى من توجه إليه الإسلام بشكواه وبثه، واستعان به على حماية نسله وحرثه، وكانت مساعيه ومساعى سلفه في الجهاد الغر المحجلة، المؤمرة الكاشفة لكل معضلة، الكاسفة لكل مشكلة؛ والأخبار بذلك سائرة، والآثار ظاهرة، والصحف عنه باسمة، والسير به معلمة وعالمة، وكلّ بجهاده قد سكن إلا السيوف في أغمادها، وقد أمن إلا كلمة الكفر في بلادها، لا يزال في سبيل الله غاديا ورابحا، ومواجها ومكافحا، ومماسيا ومصابحا، يجوز لجة البحر بالمجاهدين ملوكا على الأسرة، وغزاة تصافح وجوهها السيوف فلا يخمد نور الأسرة، يذود الفرق الكافرة ولو ترك سبيلها لملأ قراره كلّ واد، وكلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله، ولولاه لأخمد شرارة كل زناد.
كان المتوقع من تلك الدولة العالية، والعزمة الغادية، مع القدرة الوافية، والهمة المهدية الهادية، أن يمد غرب الإسلام المسلمين بأكثر مما أمد به غرب الكفار الكافرين فيملاها عليهم جوارى كالأعلام، ومدنا في اللجج سوائر كأنها الليالى مقلعة بالأيام، تطلع علينا معشر الإسلام آمالا، وتطلع على الكفار آجالا، وتردنا إما جملة وإما أرسالا مسومة، تمدها ملائكة مسومة ومعلمة، تقدم حيازيمها أقدام حيزوم تحت أصحابه، وإنما هى منه عزمة كانت تعين أصحاب الميمنة على أصحاب المشأمة، وكلمة كانت تنفخ الروح في الكلمة، ولما استبطئت ظن أنها توقفت على الاستدعاء، فصرخنا به في هذه التحية، فقد تحفل السحاب ولا تمطر إلى أن تحركها أيدى الرياح، وقد تترك النصرة فلا تظهر إلى أن تضرع إليها ألسنة الصفاح.