الخمس، ينتهي بصرنا إلى غاية محدودة على التساوي، فيرتسم لنا قبة محيطة بنا، وحيث إن الله تعالى يخاطبنا على مقدار ما نفهم ونعقل، ونحن بحسب الرؤية نرى أن تلك القبة كأنها بناء فوقنا لا جرم، قال تعالى:{الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً} فقد علمت: أنه ليس المراد بالبناء هنا ما يفهم عند العامة من أنه وضع لبنة فوق لبنة، كيف يكون وقد فسر تعالى ذلك البناء في موضع آخر في قوله: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (٢٩)} [النازعات].
فبين أن معنى بنائها، إنما هو جعل مقدار ارتفاعها، وذهابها في سمت العلو مديدًا رفيعًا، وأفاض عليها ما يتم به كمالها من الكواكب، والتداوير، من قولهم: سوى فلان أمره إذا أصلحه، وكذلك فسر دحو الأرض بقوله: {أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (٣١) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا} [النازعات] وهذا لا ينافيه ما ذهب إليه أهل الهيئة في هذه الأعصار المتأخرة، من أن الأرض تدور حول الشمس، وأن هذا المرئي الذي نسميه سماء أو فلكًا هو فضاء واسع، وزرقته من اكتناف الأشعة الشمسية، ومن أنهم سموا كل كوكب ثابت شمسًا، وقالوا: إن لكل واحدة من هذه الشموس دائرة، وعدة متعلقات كثيرة، تدور حولها من السيارات والملتزمات، وذوات الأذناب، وكل واحد من هذه المتعلقات عالم مثل كرة أرضنا، ومن جملة هاتيك الشموس هذه الشمس المشهورة، ولها دائرة مخصوصة بها، وعدة متعلقات تدور حولها من السيارات والملتزمات، ومن جملة السيارات الدائرة حولها هذه الأرض، التي نحن عليها، والقمر ملتزم لها، ويدور عليها ومعها على الشمس، وفوق ذلك صفوف دوائر شمسية متكاثرة بعضها فوق بعض، إلى حيث لا يحيط به النظر، ولا يدركه الفكر، {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}[المدثر: ٣١]، قال "أبو العلاء المعري":
يا أيها الناس كم لله من فلك ... تجري النجوم به والشمس والقمر
هين على الله ماضينا وغابرنا ... فما لنا في نواحي غيره خطر