للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتحينوا الفرص للإيقاع به، وإذا قام به الحسنى واختبار طباع قومه، وساسهم بالقول الحسن، ولم يدع ممكنًا في اتحادهم، وتأليف قلوبهم إلَّا سلكه، التفوا حوله، وقالوا بقوله، وانتظموا في سلك إرادته، وأوصلوه إلى غايته، فإن للكلام مغناطيسًا في خاصية الجذب إذا أحسن المتكلم استعماله، وخاصية التنفير إذا رُتب على غير مقتضاه.

وإلى هذا يشير الأثر المشهور: "إن من الشعر لحكمة، وإن من البيان لسحرًا" ولا تخفاك تلك الروعة التي تأخذك حينما تسمع المواعظ والزواجر من كلام علام الغيوب، وترى منها تأثير الجاذبية التي تكاد تجذبك إلى الملأ الأعلى وإلى مقام القدس، وتهدي لك روحًا لم تكد تخطر من قبل في خيالك، وانظر نفسك إذا مر على أذنك كلام لم يلائم طبيعتك، ولمن يتفق مع مشربك، كيف يحصل لك ذلك الانقباض وتلك النفرة التي ربَّما لم تكن تعهدها من نفسك، فيا لله ما أكثر معاني قوله تعالى: {وقولوا للناس حسنًا} وما أبهرها للعقول.

ولما أمر الله تعالى بني إسرائيل بما إن امتثلوه، اجتمعت كلمتهم، ذكر أعظم جامع على الله من الأعمال فقال: {وأقيموا الصَّلاة} ثم ذكر ما به تمام الجمع ودوامه، فقال: {وآتوا الزكاة} ولما كان الإعراض عن هذه المحاسن في غاية البعد، ولا سيما إذا كانت بعهد، ولا سيما إذا كان العهد من الله، أشار إلى ذلك بأداة التراخي فقال: {ثم توليتم}، سالكًا هذا اللفظ مسلك الالتفات, أي: توليتم عن الميثاق ورفضتموه {إلَّا قليلًا منكم}، إلَّا من عصمه الله منكم فوفى الله بعهده وميثاقه، و {أنتم معرضون}، وأنتم قوم عادتكم الإعراض عن المواثيق وعادتكم التولية، ومعنى الإعراض التولي، وهذا الخطاب لبني إسرائيل الذين وجدوا حين نزول القرآن، وبعد نزوله، فكأنه تعالى يقول: إن سلفكم أمروا بهذه المأمورات، فتولى أكثرهم عنها وأعرضوا، وأنتم تابعون لهم في التولي والإعراض، فحق عليكم ما حق على سلفكم من كلمة العذاب.

وقص تعالى على المؤمنين هذه القصة، تحذيرًا لهم من أن يسلكوا ما سلكه بنو إسرائيل، فيصيبهم ما أصابهم.

<<  <   >  >>