للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يستعمله جهده، ويقرنه بقدر طاقته، ويحققه ما أمكنه، بل لو أمكنه أن يهتف به على قوارع طرق المارة، ويدعو إليه في شوارع السابلة، وينادي عليه في مجامع السيارة، بل لو تيسر له أن يهب المال لطلابه، ويجري الأجور لمقتبسيه، ويعظم الأجعال للباحثين عنه، ويسني مراتب أهله، صابرًا في ذلك على المشقة والأذى، لكان ذلك حظًا جزيلًا، وعملًا جيدًا، وسعدًا كريمًا، وإحياء للعلم، وإلا فقد درس وطمس، ولم يبق منه إلا آثار لطيفة، وأعلام دائرة، انتهى كلامه.

ولما بيّن تعالى عظيم الوعيد في {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [البقرة: ١٧٤]، كان يجوز أن يتوهم أن الوعيد يلحقهم على كل حال، فبيّن تعالى أنهم إذا {تَابُوا} تغير حكمهم، ودخلوا في أهل الوعد، فقال:

{إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٦٠)}.

فقوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} استثناء متصل، والتوبة عبارة عن الندم على فعل القبيح، لا لغرض سواه، لأن من ترك ردّ الوديعة، ثم ندم عليه؛ لأن الناس ذموه، أو لأن الحاكم ردّ شهادته، لم يكن تائبًا، وكذلك لو عزم على رد كل وديعة، والقيام بكل واجب، لكي تقبل شهادته، أو يمدح بالثناء عليه، لم يكن تائبًا، وهذا معنى الإخلاص في التوبة.

ثم بيّن تعالى: أنه لا بد له بعد التوبة من إصلاح ما أفسده، مثلًا لو أفسد على غيره دينه بإيراد شبهة عليه، يلزمه إزالة تلك الشبهة.

ثم بيّن ثالثًا: أنه بعد ذلك يجب عليه فعل ضد الكتمان، وهو البيان لما كانوا كتموه فظهرت توبتهم بالإقلاع، وهو المراد بقوله: {وَبَيَّنُوا} فدلت هذه الآية على أن التوبة، لا تحصل إلا بترك كل ما لا ينبغي، وبفعل كل ما ينبغي.

وقوله تعالى: {فَأُولَئِكَ} إشارة إلى من جمع هذه الأوصاف من التوبة والإصلاح والتبيين، {أَتُوبُ عَلَيْهِمْ} أي: أقبل توبتهم فأحفظهم.

ولما كان من شأن الإنسان معاودة الذنوب لصفة النسيان، ختم الآية بما دلّ

<<  <   >  >>