للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"الحجة": قلنا اضربوا المقتول ببعض البقرة، فضربوه به فحيي، يعني: والدليل على هذا المحذوف قوله تعالى {كذلك} أي مثل هذا الإحياء العظيم على هذه الهيئة الغريبة، {يحيي الله الموتى} مثل هذا الإحياء الذي عوين وشوهد.

وهذه المعجزة الخارقة للعادة، هي مثل ما جرى لنبينا - صلى الله عليه وسلم -، فيما رواه البُخاريّ ومسلم، عن أنس والإمام أحمد عن ابن عباس، والدارمي والبيهقي عن جابر أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، لما افتتح خيبر واطمأن النَّاس، أهدت زينب بنت الحارث لصفية زوج النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، شاة مَصلية وقد سألت: أي عضو الشَّاة أحب إلى رسول الله، فقيل لها: الذراع فأكثرت فيها السم، ثم سمت سائر الشَّاة، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، على صفية ومعه بشر بن البراء بن معرور (بمهملات) فقدمت إليه الشَّاة المصلية، فتناول رسول الله - صَلَّى الله عليه وسلم - الكتف، وفي لفظ الذراع، وانتهس منها فلاكها، وتناول بشر عظمًا فانتهس منه، قال ابن إسحاق: فأمَّا بشر فساغها، وأمَّا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلفظها، وقال ابن شهاب الزهري: فلما استرط رسول الله، استرط بشر ما في فيه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ارفعوا ما في أيديكم فإن كتف هذه الشَّاة يخبرني أني نعيت فيها". قال بشر بن البراء: والذي أكرمكم لقد وجدت ذلك في أكلتي، فما منعني أن ألفظها إلَّا أني أعظمت أن أبغضك في طعامك، فلما استقر ما في فيك لم أكن أرغب بنفسي عن نفسك، ورجوت أن لا أكون استرطتها، فلم يقم بشر من مكانه حتَّى عاد لونه كالطيلسان، يعني: أصفر شديد الصفرة، قال ابن حجر في "فتح الباري": وماطله وجعه، واحتجم رسول الله وبقي ثلاث سنين، حتَّى كان وجعه الذي توفي فيه؛ وقال ابن القيِّم في "زاد المعاد": إن النبي - صلى الله عليه وسلم -، لما انتهس من ذراع الشاة أخبره الذراع بأنه مسموم فلفظ الأكلة، انتهى.

ولما كان حصول المعصية من بني إسرائيل بعد رؤية هذا الأمر الخارق مستبعد التصور فضلًا عن الوقوع أشار إليه بقوله:

{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (٧٤)}.

<<  <   >  >>