للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خاطب الله به بني إسرائيل تنبيه للمسلمين، لأن الفضيلة بالنبي قد لحقتهم، وجميع أقاصيص الأنبياء، تنبيه وإرشاد، قال تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ} [الزمر: ١٨] وقال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف: ١١١].

وحيث انتهى الخطاب إلى تذكر ظاهرة النعمة، بعد التذكير بباطن الفضيلة، لم يبق وراء ذلك إلا التهديد بوعيد الآخرة، عطفًا على تهديد يقتضيه الإفهام، بتغيير ما بقي عليهم من النعمة في الدنيا، فكأن مفهوم الخطاب: فاحذروا أن يصيبكم مثل ما أصاب المؤاخذين في الدنيا، فقال تعالى:

{وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (٤٨)}.

أمرهم بأن يتقوا، وهو من وقيت الشيء أقيه، إذا صنته، وسترته عن الأذى، والمتقَى إنما هو الجزاء الواقع في يوم القيامة، وإنما حذفه وأقام اليوم مقامه تفخيمًا له، وتنبيهًا على أن عقابه لا يدفع، كما يدفع ما في غيره بأنواع الحيل، وذلك اليوم هو من العظمة بحيث {لَا تَجْزِي}، أي: تقضي وتغني فيه {نَفْسٌ}، أيُّ نفس كانت، {عَنْ نَفْسٍ}، كذلك من الجزاء، ولا تقضي عنها {شَيْئًا} من الحقوق، ولما كان الإجزاء قد يكون بنفس كون المجزى موجودًا، وهو بحيث يخشى أن يسعى في النكال بنوع حيلة، فتتحرك القلوب لإجابته، وفك أسره، فيحمل ذلك مَنْ أسره على إطلاقه، وقد يحتال بالفعل إلى التوصل إلى فكه في خفية، بسرقته أو فتح سجنه، أو نحو ذلك، وكانت وجوه الإجزاء المشهور ثلاثة، عطفها على الإجزاء الأعم منها، {وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا} أي النفس الأولى أو الثانية {شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} تبذله غير الأعمال الصالحة. والعدل في كلام العرب: الفدية، وقال قتادة: لو جاءت بكل شيء لم يقبل منها.

<<  <   >  >>