للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يريد أن قوله: {نَفْسَهُ}، اختلف في إعرابه، فقيل: مفعول به، وقال الكوفيون: منصوب على التمييز، لأنه جار مجرى الإضافة فلا تؤثر فيه الإضافة، على حد: وطبت النفس، وهذا الوجه اختاره ابن جرير في تفسيره، وهو كوفي المذهب، والأول هو الذي اختاره أبو حيان في البحر.

ولما حكم تعالى بسفاهة من رغب {عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ}، بين السبب فقال: {وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا} أي: اخترناه للرسالة من دون سائر الخليقة، وعرفناه الملة التي هي جامعة للتوحيد والعدل والشرائع، والإمامة الباقية إلى قيام الساعة، فليحقق كل ذي لب وعقل أن الراغب عن ملته سفيه، وأن من خالف ما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -، فهو لإبراهيم مخالف، ومن خالف إبراهيم خالف الله تعالى.

ولما بين عظم منزلته في الدنيا، بين عظمها في الأخرى فقال: {وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} قال ابن عباس: {لَمِنَ الصَّالِحِينَ} أي: الأنبياء، وقال غيره: أي: الواردين في موارد قدسه، والحالِّين مواطن أنسه.

ولما حكم تعالى بسفاهة من رغب عن ملة إبراهيم بين السبب فقال: {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [البقرة: ١٣١]. أي: {قَالَ لَهُ رَبُّهُ} أخلص لي العبادة واخضع لي بالطاعة، قال مجيبًا لربه: خضعت بالطاعة، وأخلصت العبادة لمالك جميع الخلائق ومدبرها دون غيره، وكان ذلك من بعد ما امتحنه بالكواكب (١)، والشمس، والقمر، ثم قال: {يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (٧٨) إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (٧٩)} [الأنعام: ٧٨ - ٧٩] وفي الآية التفات، إذ لو جرى على الكلام السابق لكان: إذ قلنا له أسلم.

ثم ذكر تعالى نوعًا آخر من الأمور المستحسنة التي حكاها عن إبراهيم، فقال:


(١) استعمال لفظ (امتحنه) لعل المقصود الصحيح آتاه الحجة.

<<  <   >  >>