للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يريد: فلم يجبه. ومعناه هنا: فأجيبوني بالطاعة، وقيل: معناه فليدعوني، وهو بمعنى الأول، إذًا الدعاء من الطاعة للأمر به.

وقوله: {وَلْيُؤْمِنُوا بِي} فمعناه: وليؤمنوا بي إذا هم استجابوا إلي بالطاعة، أني لهم من وراء طاعتهم لي في الثواب، وإجرائي الكرامة لهم عليها؛ أو المعنى: فليؤمنوا بي أني أستجيب لهم.

وأما قوله تعالى: {لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}، فمعناه: {لَعَلَّهُمْ} يهتدون، أي: ليكونوا على رجاء من الدوام على إصابة المقاصد، والاهتداء إلى طريق الحق؛ قال الحرالّي: الرشد حسن التصرف في الأمر، حسًا أو معنى، في دين أو دنيا. وختم هذه الآية برجاء الرشد من أحسن الأشياء، لأنه تعالى، لما أمرهم بالاستجابة له، وبالإيمان به، نبه على أن هذا التكليف ليس القصد منه إلا وصولك بامتثاله إلى رشادك في نفسك، لا يصل إليه تعالى منه شيء من منافعه، وإنما ذلك مختص به.

ولما كان الإيمان شبه بالطريق المسلوك في القرآن ناسب ذكر الرشاد، وهو الهداية، كما قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}.

ولما تصور المخاطبون بهذه الآية الشريفة قربه وحبه، على عظمته وعلوه، فتذكروا لذيذ مخاطبته فيما قبل، فاشتاقوا إليها، وكان قد يسّر لهم أمر الصوم حتمًا على جميعهم، وكيفًا على أهل الضرورة منهم، كانوا كأنهم سألوه التيسير، على أهل الرفاهية، فيما حرم عليهم، كما حرم على أهل الكتاب من الوطء في شهر الصوم، والأكل بعد النوم، فقال تحقيقًا للإجابة والقرب:

{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ

<<  <   >  >>