للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النخعي، أنه قال: "الوتر بالليل والسحور بالنهار". قال ابن جرير: وعلة من قال هذا القول، أن الوقت إنما هو النهار دون الليل. قالوا: وأول النهار طلوع الشمس، كما أن آخره غروبها؛ قالوا: ولو كان أوله طلوع الفجر، لوجب أن يكون آخره غروب الشفق، وفي إجماع الحجة، على أن آخر النهار غروب الشمس، دليل واضح على أن أوله طلوعها، قالوا: وفي الخبر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه تسحر بعد طلوع الفجر (١)، أوضح دليل على صحة قولنا.

قال أبو جعفر الطبري: وأولى التأويلين بالآية، التأويل الذي روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: "الخيط الأبيض بياض النهار، والخيط الأسود سواد الليل". قال: وأما الأخبار التي رويت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أنه شرب أو تسحر، ثم خرج إلى الصلاة، فإنه غير دافع صحة ما قلناه في ذلك، لأنه غير مستنكر أن يكون - صلى الله عليه وسلم -، شرب قبل الفجر، ثم خرج إلى الصلاة؛ إذ كانت الصلاة - صلاة الفجر- على عهده تصلّى بعدما يطلع الفجر، ويتبين طلوعه، ويؤذن لها قبل طلوعه. انتهى.

قلت: ولفظ {الْخَيْطُ} يشعر بابتداء طلوع الفجر، لأنه آنئذٍ يكون شبيهًا به، فأما إذا استطار وانتشر فلا، وكذلك {الْفَجْرِ} يشعر بالانفجار، وانفجار الشيء إنما يكون مبتدأه؛ وعلى كل فنقول: إن ههنا مذاهب شتى، ولكنها على حد ما قاله الرازي: وهذه المذاهب قد انقرضت، والفقهاء أجمعوا على بطلانها، فلا فائدة في استقصاء الكلام عليها، ثم من المعلوم، أن {حَتَّى} في قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ} الآية، لانتهاء الغاية، فدلت هذه الآية، على أن حلّ المباشرة، والأكل والشرب، ينتهي عند طلوع الفجر؛ وزعم أبو مسلم الأصفهاني: أنه لا شيء من المفطرات، إلا أحد هذه الثلاثة، فأما الأمور التي يذكرها الفقهاء، من تكلف القيء، والحقنة، والسَّعُوط (٢) فليس شيء منها بمفطر، قال: لأن كل هذه الأشياء كانت مباحة، ثم دلت هذه الآية على حرمة هذه الثلاثة على الصائم بعد


(١) ذكرت بعض هذه الأخبار في "السلسلة الصحيحة" ١٣٩٤.
(٢) السعوط: ما يُنْشَقُ في الأنف من الأدوية وغيرها.

<<  <   >  >>