للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أنه لا يستحيي أن يضرب مثلًا إذ كان بعضها تمثيلًا لآلهتهم بالعنكبوت وبعضها تشبيهًا لها بالضعف والمهانة بالذباب، وليس ذكر شيء من ذلك بموجود في هذه السورة، فيجوز أن يقال: إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلًا ما فإن هذا بخلاف ما ظن، وذلك أن قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}، إنما هو خبر منه تعالى أنه لا يستحي أن يضرب في الحق من الأمثال صغيرها وكبيرها، ابتلاء بذلك لعباده واختبارًا منه لهم، ليميز به أهل الإيمان والتصديق به، من أهل الضلال والكفر به، إضلالًا منه لقوم وهداية منه لآخرين.

وقد روي عن ابن عباس، وابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم قالوا: إن الله لما ضرب هذين المثلين للمنافقين يعني قوله: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا} [البقرة: ١٧] وقوله: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ} [البقرة: ١٩] الآيات الثلاث، قال المنافقون: الله أعلى وأجل من أن يضرب هذه الأمثال، فإنزل الله تعالى هذه الآية.

فإن قال قائل: أين الإشارة إلى ما زعمت من أن الآية وردت جوابًا لنكير الكفار؟ وأين ما يدل على ذلك النكير؟

قلنا: أشار إلى ذلك قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ ... } إلى آخر الآية.

والاستحياء هنا: الخشية، والمعنى: أن الله لا يخشى أن يصف شبهًا لما شبه به، و {مَا} بمعنى: الذي، أي: الذي هو بعوضة في الصغر والقلة، فما فوقها مثلًا، وهذا على قراءة من قرأ {بَعُوضَةً} بالرفع، وأما على قراءة النصب فـ {مَا} هذه إبهامية، وهي التي إذا اقترنت باسم نكرة أبهمته إبهامًا، وزادته شيوعًا وعمومًا، كقولك: أعطني كتابًا ما تريد: أيَّ كتاب كان، و {بَعُوضَةً} عطف بيان لـ {مَثَلًا}، أو مفعول لـ {يَضْرِبَ}، و {مَثَلًا} حال من النكرة مقدمة عليه، وقوله: {فَمَا فَوْقَهَا} معناه: ما تجاوزها وزاد عليها في المعنى الذي ضربت فيه مثلًا، وهو القلة والحقارة، ونظيره قولك لمن يقول فلان أسفل الناس وأنذلهم: هو فوق ذاك، تريد هو أبلغ وأعرق فيما وصف به من السفالة والنذالة، ولك أن

<<  <   >  >>