للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هذا كلامه، وهذا من جملة التحريف الذي حرفوه، ومن تأمل هذا الكلام وجده مطابقًا لما حكاه، وشرحه الإمام علي بن حزم في المجلد الأوَّل من كتابه المسمى بـ "الفصل في الملل والأهواء والنحل" مع أن ابن حزم كان في القرن الرابع، وصاحب "بذل المجهود" كان في القرن السابع.

ولما كان الكلام في الآية السابقة مرشدًا إلى [أن] (١) التقدير: فهم لجرأتهم على الله إذا سمعوا كتابكم حرفوه، وإذا حدّثوا عباد الله لا يكادون يصدقون، عطف عليه قوله:

{وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (٧٦) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ (٧٧)}.

روى ابن جرير عن ابن عباس في تفسير الآية: أن نفرًا من اليهود في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -، كانوا إذ لقوا أصحاب محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، قالوا: آمنًا بالذي آمنتم به، ونشهد أن صاحبكم صادق، وأن قوله حق، ونجده بنعته وصفته في كتابنا، ثم إذا خلا بعضهم إلى بعض، قال الرؤساء: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم من نعته وصفته في كتابه، ليحاجوكم به، فإن المخالف إذا اعترف بصحة التوراة واعترف بشهادة التوراة على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، فلا حجة أقوى من ذلك، فلا جرم كان بعضهم يمنع بعضًا من الاعتراف بذلك عند محمَّد - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه.

فقوله تعالى: {وإذا لقوا الذين آمنوا}، معناه: آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - قالوا نفاقًا منهم: آمنًا بأنكم على الحق، وأن محمدًا هو الرسول المبشر به، {وإذا خلا بعضهم} الذين لم ينافقوا {إلى بعض}، وهم الذين كانوا ينافقون، {قالوا} عاتبين عليهم: {أتحدثونهم بما فتح الله عليكم}، الفتح: توسعة الضيق حسًا ومعنى، والمعنى: بما فتح الله عليكم من العلم القديم الذي أتاكم على ألسنة رسلكم في التوراة وأسفار الأنبياء، ويطلق الفتح في كلام العرب على النصر،


(١) زيادة من "نظم الدرر" ١/ ٤٨٧.

<<  <   >  >>