للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنَّ العَسِيرَ بها داءٌ مُخامِرُها ... فَشَطْرَها نَظَرُ العَيْنَيْنِ مَحْسُورُ (١)

يعني بقوله: شطرها، نحوها. وكما قال الراجز:

تَعْدُو بنا شَطْرَ جَمْعٍ وهيَ عَاقِدَةٌ ... قد كاربَ العَقْدُ من إيفادها الحَقَبا (٢)

وقال الشاعر أيضًا:

ألا من مبلغ عنا رسولًا ... وما تغني الرسالة شطر عمرو (٣)

أي: نحوه. وتقول العرب: هؤلاء القوم يشاطروننا، إذا كانت بيوتهم تقابل بيوتهم، وقال على شطره قبله.

ومن هنا نشأ اختلاف العلماء في المسألة؛ فذهب الحنفية والحنابلة والشافعي في أحد قوليه: إلى أن المصلي إن كان معاينًا للكعبة، ففرضه الصلاة إلى عينها، وهذا مما لا خلاف فيه؛ حتى قال الإمام أبو الوفاء ابن عقيل البغدادي من الحنابلة: إن خرج بعضه عن مسامتة الكعبة لم تصح صلاته، وإن كان بعيدًا عنها، ففرضه التوجه إلى الجهة، واستدل مالك في "الموطأ": على أن الفرض للبعيد الجهة، بما رواه عن نافع، أن ابن عمر قال: ما بين المشرق والمغرب قبلة إذا تُوجّه قِبَلَ البيت، وروي هذا عن عثمان وعلي وابن عباس، وما رواه مالك موقوفًا، رواه ابن ماجه عن أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما بين المشرق والمغرب قبلة"، ورواه الترمذي وصححه. وقال ابن عبد البر: إنما تضيق القبلة على أهل المسجد الحرام، وهي لأهل مكة أوسع، ثم لأهل الحرم أوسع ثم لأهل الآفاق أوسع. انتهى (٤).

وبنوا على هذا أنه إن انحرف عن القبلة يسيرًا لم يُعد، ولكن يتحرى الوسط، وقال الشافعي في الرواية الثانية: الفرض إصابة العين.

وأجاب الأولون بأن الحديث: "ما بين المشرق والمغرب قبلة"، وبأنه لو


(١) هو في "لسان العرب" ٢/ ٣١٥.
(٢) هو في "مجاز القرآن" لأبي عبيدة ص ٦٠.
(٣) هو من شواهد "البحر".
(٤) هو في "إرواء الغليل" ٢٩١.

<<  <   >  >>