وأصل الـ {جُنَاحَ}: الميل إلى الإثم، ثم أطلق على الإثم، يقال: جنح إلى كذا جنوحًا، مال، و {تَطَوَّعَ} تفعّل من الطوع، وهو الانقياد.
فقوله تعالى:{إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} معناه: أن الطواف بين الصفا والمروة من شعائر الله، أي: من معالمه، فالكلام على حذف مضاف، لأن الجبلين ذاتهما ليسا من شعائر الله، وإذا فسرنا الشعائر بمواضع العبادة، لا نحتاج إلى تقدير مضاف، إذ المعنى حينئذ أن الصفا والمروة من مواضع عبادة الله.
ولما كان الطواف بينهما ليس عبادة مستقلة، إنما يكون عبادة إذا كان بعض حج أو عمرة، بين تعالى ذلك بقوله:{فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ} أي: أثم {عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} أي: يدور بهما، ويسعى بينهما.
ثم قال تعالى:{وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} أي: من تطوع بالحج والعمرة {فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ} له على تطوعه له بما تطوع به من ذلك ابتغاء وجهه، فمجازيه به {عَلِيمٌ} بما قصد وأراد بتطوعه بما تطوع منه.
هذا ولنذكر الأحكام التي تستنبط من هذه الآية فنقول:
أولها: إن ظاهر قوله تعالى: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ} يشير إلى أن الطواف، أي: السعي بين الصفا والمروة سنّة، وإلى هذا ذهب جماعة من السلف، فقد روى ابن جرير عن ابن جريج عن عطاء قال:"لو أن حاجًا أفاض بعد ما رمى جمرة العقبة، فطاف بالبيت ولم يسع، فأصابها - يعني امرأته - لم يكن عليه شيء، لا حج ولا عمرة، من أجل قول الله في مصحف ابن مسعود:{فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ". قال: ابن جريج: فعاودته بعد ذلك فقلت له: إنه ترك سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال:"ألا تسمعه يقول: فمن تطوع خيرًا" فأبى أن يجعل عليه شيئًا.
وقال أنس: الطواف بينهما تطوع، وكان ابن عباس يذهب إلى هذا ويقرأ: فلا جناح عليه أن لا يطوف بينهما. وقال بذلك مجاهد، وعبد الله بن الزبير.