للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الموجودات بتفرسكم فيها {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فيما تفرستموه في الخليفة، وفي أنساله، في قولكم: أني إن جعلت خليفتي في الأرض من غيركم، عصتني ذريته وأفسدوا وسفكوا الدماء، وإن جعلتكم فيها أطعتموني واتبعتم أمري بالتعظيم لي والتقديس، فإنكم إذا كنتم لا تعلمون أسماء هؤلاء الذين عرضتهم عليكم من خلقي، وهم مخلوقون موجودون، ترونهم وتعاينونهم، وعلمه غيركم بتعليمي إياه، فأنتم بما هو غير موجود من الأمور الكائنة التي لم توجد بعد، وبما هو مستتر من الأمور التي هي بعيدة عن أعينكم، أحرى أن تكونوا غير عالمين بها فلا تسألوني ما ليس لكم به علم، فإني أعلم بما يصلحكم ويصلح خلقي (١) وإني أعلم أن بعضكم تاج المعاصي وخاتمها وهو إبليس فلما اتضح لهم موضع خطأ قيلهم وبدت لهم هفوة زلتهم أنابوا إلى الله بالتوبة كما أخبر عنهم بقوله:

{قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢)}.

وكذلك فعل كل مسدد للحق، موفق له، سريعة إلى الحق إنابته، قريبة إليه أوبته، فإذا اعترته الهواجس بالاعتراض على حكمة الحق جل وعلا؛ نكص على عقبيه بالتوبة والإنابة قائلًا:

{سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا}، أطلق لنا سراح عقولنا في الأكوان.

وعلم الإنسان من أسرارها ما لم يعلم، وألهمه تسمية الأشياء ليبيّن المرء لأخيه ما يكنّه في ضميره، فسرح الفكر في النبات والحيوان والمعادن، حتى اهتدى إلى خواصها، وما ينفق منها، ثم أطلق المجال في تركيب الأعضاء، وفيما يخرجها عن اعتدالها، وما يعيده إليها إذا انحرفت عنه، وعلمه سير الكواكب، وكيفية مدارها، وجعل له أثناء سيره مشكلات وغوامض لا يمكنه حلها، ولا كشفها بفكره مهما بالغ في أعماله، ليقهره على أن يقول كما قالت الملائكة من قبله: {لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا}، فيقر بأن قوة تتصرف فيه أعظم من قوته، وأن تلك القوة هي قدرة خالقه، ويعلم علم اليقين بأن العبد لو علم جميع ما يعلمه


(١) تداخلت بعض الكلمات والجمل في أصل هذه الصفحة فرجحنا أن الصواب ما ذكرنا.

<<  <   >  >>