للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غاظه بالالتجاء إلى الله تعالى، وقطع عليه طريق مداخلته بينه وبين مولاه، فقبله وأقبل عليه، فتلقى من ربه كلمات استقبلها بالأخذ والقبول، والعمل بها حين علمها، {فَتَابَ عَلَيْهِ} فرجع عليه بالرحمة والقبول، وأخذت بيده محنته إلى الاصطفاء والاجتباء، والتوبة والهداية، ورفعة المنزلة، ولولا تلك المحنة التي جرت عليه، وهي إخراجه من الجنة وتوابع ذلك، لما وصل إلى ما وصل إليه، فكم بين حالته الأولى وحالته الثانية في نهايته.

ثم إن للمفسرين مذاهب شتى في الكلمات التى تلقاها آدم، وأحسن ما يقال: تفسير القرآن بالقرآن، وهو: أن الله أخبر عن آدم وحواء بأنهما: {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٢٣)} [الأعراف] وهو قول قتادة وأبي العالية، ومجاهد، وما سوى هذا القول ليس بمدفوع، ولكنه قول لا شاهد عليه من حجة يجب التسليم لها، فيجوز لنا إضافته إلى آدم، وأنه مما تلقاه من ربه عند إنابته إليه من ذنبه، كما أشار إلى ذلك ابن جرير الطبري.

وهذه القصة تعريف منه تعالى جميع المخاطبين بكتابه، كيفية التوبة إليه من الذنوب، وتنبيه للمخاطبين، بقوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة: ٢٨] على موضع التوبة مما هم عليه من الكفر بالله وأن خلاصهم مما هم عليه مقيمون من الضلالة، نظير خلاص أبيهم آدم من خطيئته، مع تذكيره إياهم بالسالف إليهم من النعم التي خص بها أباهم آدم وغيره من آبائهم، و {التَّوَّابُ} هو: البليغ التوبة المكرر لها.

ولما كان قد جعل على نفسه أن يتفضل على المحسن قال: {الرَّحِيمُ}، أي: لمن أحسن الرجوع إليه، وأَهَّله لقُربه.

ثم إنهم لما أُعلموا بالعداوة اللازمة، كان كأنه قيل: فما وجه الخلاص منها؟ فقيل: اتباع شرعنا، والشروع بالتوبة والرحمة فإننا:

<<  <   >  >>