للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله .. " قال: وأحسبه قال: "كالقائم لا يفتر، وكالصائم لا يفطر"، وفي لفظ: "كالذي يصوم النهار".

وأخرج مسلم عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أنا وكافل اليتيم - له أو: لغيره- أنا وهو كهاتين في الجنَّة". وأشار الراوي بالسبابة والوسطى.

ولمَّا لم يكن وسع النَّاس عامة بالإحسان بالفعل ممكنًا، أمر بجعل ذلك بالقول، فقال: {وقولوا للناس حسنًا} أي: حَسَنًا بالتحريك، وبها قرئ، ويجوز أن حسْنًا بسكون السين، بمعنى: وقولوا للناس قولًا هو حُسنٌ في نفسه، على حد قولك: زيد عَدْلٌ, أي: لإفراط حسنه صار كأنه هو الحسن. وقال سفيان الثوري: في معنى: {وقولوا للناس حسنًا}، مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر، وقال عطاء بن أبي رباح: من لقيت من النَّاس فقل له حسنًا من القول.

والذي يلوح من سر الآية التفصيل، واعتبار كل مقام بحسبه، فإن كان القول للدعوة إلى الإمام فليكن بالرفق واللين، كما قال الله تعالى لموسى وهارون: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} [طه: ٤٤] وقال لمحمد - صَلَّى الله عليه وسلم -: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: ١٥٩] وإن كان لدعوة الفساق ونحوهم للطاعة، فليكن بحسن القول كما قال تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: ١٢٥] {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [المؤمنون: ٩٦].

ومن المعلوم: أنَّه إذا أمكن التوصل إلى الغرض باللطيف من القول لم يعدل عنه إلى غيره، وما دخل الرفق في شيء إلَّا زانه، وما دخل الخَرَق في شيء إلَّا شانه، فثبت أن جميع آداب الدين والدنيا داخلة تحت قوله تعالى: {وقولوا للناس حسنًا} وأنت إذا تأملتها حق تأملها أرشدتك إلى قواعد العمران، وإلى المدنية الصحيحة، لأنَّ القائم بأمر ما لا يقدر على القيام به بنفسه، ولابد له من معونة أبناء جنسه، فإذا قام به بفظاظة وغليظ القلب واستبداد، تربص به قومه السوء،

<<  <   >  >>