للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابن الأثير في "النهاية": وفي حديث الطفيل بن عمرو، وأنا أتهبط إليهم من الثنية، معناه: أنحدر، ففسر الهبوط بالانحدار. والحاصل: أن أدلة الجانبين متعارضة، وأرجحها أنها كانت في الأرض، والله أعلم.

ولما كان السياق لبيان شؤم المخالفة وبركة التوبة، بين أنهما أسرعا المواقعة بقضية خلقهما على طبائع الشهوة لما نهيا عنه، فقال:

{فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (٣٦)}.

فقوله: {فَأَزَلَّهُمَا} مأخوذ من الزلل، وهو: تزلق الشيء الذي لا يستمسك فيه، فالمعنى: أنه زلقهما عن المكان الذي كان، كما يتزلق الطل المجتمع على الأوراق والأزهار في الصباح. أو المعنى: أزالهما وهو مأخوذ من الزوال، وهو التنحية من المكان أو المكانة، ومنه يقال: زل الرجل في دينه إذا هفا فيه وأخطأ، فأتى ما ليس له إتيانه فيه، وأزلَّه غيره، إذا سبب له ما يزل من أجله في دينه ودنياه، ولذلك أضاف تعالى إلى إبليس خروج آدم وزوجته من الجنة، فقال: {فَأَخْرَجَهُمَا}، يعني الشيطان، {مِمَّا كَانَا فِيهِ}، لأنه الذي سبب لهما الخطيئة التي عاقبهما الله عليها، فأخرجهما من الجنة التي هي مكان النعمة التي أنعم تعالى بها عليهما، وفي الآية إشارة دقيقة حيث نسب إلى الشيطان أنه المتسبب بالذنب، وهي أن الله عز وجل يعطي عباده الخير بواسطة وبلا واسطة، كما أعطى الله آدم وزوجته الجنة بلا واسطة، ولا ينالهم شر إلا بواسطة نفس، كما وقع لإبليس من الإباء عن السجود، فكانت خطيئته من ذات نفسه، أو بواسطة شيطان من الجن والإنس، كما وقع لآدم عليه السلام، فكانت خطيئته ليست من ذات نفسه، ولكنها كانت عارضة عليه من قبل عدو، تسبب له بأدنى ما منه، من زوجته التي هي من أدنى خلقه، فمحت التوبة الذنب العارض لآدم، وأما الشيطان، فإنه لما كان ذنبه النفساني ثبت على الإصرار. وأنت إذا تأملت ذلك تبين لك موقع قوله تعالى: {فَأَزَلَّهُمَا}، لأن الزلل لا يكون إلا هفوة ولا يلبث صاحبه أن يفيء فيرجع، وأما المتعمد المستكبر فلا يرجع عن هفوته بل يبقى مصرًا عليها، وإنما قال تعالى:

<<  <   >  >>