للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمعنى الآية حينئذٍ: وما يضل به إلا التاركين عهود الله التي عهدها إليهم في الكتب التي أنزلها إلى رسله، وعلى ألسن أنبيائه باتباع أمر رسوله وما جاء به، وطاعة الله فيما افترض عليهم في التوراة من تبيين أمره للناس، وإخبارهم إياهم أنهم يجدونه مكتوبًا عندهم، أنه رسول من عند الله، مفترضة طاعته وترك كتمان ذلك لهم، ونكثهم ذلك.

ونقضهم إياه هو: مخالفتهم الله في عهده إليهم، فيما وصف أنه عهد إليهم، بعد إعطائهم ربهم الميثاق بالوفاء بذلك، كما وصفهم به تعالى بقوله: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [الأعراف: ١٦٩]، وإلى ما ذكر جنح ابن جرير الطبري.

وأما قوله: {مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ}، فهو اسم من التوثق، ومعناه: من بعد توثق الله منه، بأخذ عهوده بالوفاء له بما عهد إليه في ذلك، فالضمير في ميثاقه يعود إلى اسمه تعالى.

وقد يدخل في حكم هذه الآية، كل من كان بالصفة التي وصف الله بها هؤلاء الفاسقين، من الكفار والمنافقين في نقض العهد، وقطع الرحم والإفساد في الأرض، ولهذا قال قتادة: إياكم ونقض هذا الميثاق، فإن الله قد كره نقضه، وأوعد فيه، وقدم فيه في آي القرآن حجة وموعظة ونصيحة، وإنا لا نعلم الله جل ذكره أوعد في ذنب ما، ما أوعد في نقض الميثاق، فمن أعطى عهد الله وميثاقه من ثمرة قلبه، فليفِ به لله.

وقال الربيع في تفسير هذه الآية، أشارت الآية إلى ست خصال في أهل النفاق، إذا كانت لهم الظهرة أظهروا هذه الخلال الست: إذا حدثوا كذبوا، وإذا وعدوا أخلفوا، وإذا اؤتمنوا خانوا، ونقضوا عهد الله من بعد ميثاقه، وقطعوا ما أمر الله أن يوصل، وأفسدوا في الأرض. وإذا كانت عليهم الظهرة أظهروا الخلال الثلاث الأول.

<<  <   >  >>