للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شاء الله من الزيادة على مدة دوام السماوات والأرض، وحينئذ تتضح المناسبة بين أول الآية وبين قوله تعالى: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ}. واختار ابن قتيبة: أن {إِلَّا} بمعنى سوى، وقال: المعنى خالدين فيها مدة العالم، سوى أن يزيدهم من الخلود على مدة العالم، وقيل: إن {مَا} في {مَا دَامَتِ} بمعنى "مَن"، والمعنى نظير قوله: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ} [النساء: ٣]، والمعنى: إلا من شاء ربك أن يدخله النار بذنوبه من السعداء، وهذه الأقوال متقاربة.

والقول الحق: أن الله سبحانه أخبر عن خلودهم في الجنة كل وقت، إلا وقتًا يشاء أن لا يكونوا فيها، وهذا يتناول وقت كونهم في الدنيا وفي البرزخ، وفي موقف القيامة، وعلى الصراط، وكون بعضهم في النار مدة.

ثم إنه تعالى لما بين بالدليل كون القرآن معجزًا، أورد هنا شبهة أوردها الكفار قدحًا في ذلك، وأجاب عنها فقال:

{إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ (٢٦) الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (٢٧)}.

وتقرير الشبهة: أنه جاء في القرآن ذكر النحل والذباب، والعنكبوت والنمل، وهذه الأشياء لا يليق ذكرها بكلام الفصحاء، فاشتمال القرآن عليها قدح في فصاحته، فضلًا عن كونه معجزًا.

فأجاب الله تعالى بأن صغر هذا الأشياء، لا يقدح في الفصاحة، إذا كان ذكرها مشتملًا على حِكَم بالغة.

فهذا هو الإشارة إلى كيفية تعلق هذه الآية بما قبلها، وسبب نزولها أن اليهود لما نزل قوله تعالى: {وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} [العنكبوت: ٤١]

<<  <   >  >>