للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهي ما يتصل بباب النبوات، هكذا أجاب الفخر الرازي.

وعندي أن قولهم هذا كان على سبيل المبالغة، في أن كل فريق لم يعتد بما الآخر عليه، وأن نفي كل فريق ما عليه الآخر، ليس كما قاله الرازي، بل إن النصارى كانت تعتقد التثليث، وإلى الآن هم على ذلك، فقال لهم اليهود: لستم على شيء من الدين، واليهود تعتقد التجسيم، وفريق منهم يقول: "عزير" ابن الله، فنفى النصارى قولهم وطعنوا فيه.

ثم إنه تعالى عجب منهم في هذه الدعوى لما قبل التبديل والنسخ، ولما بعده، بقوله: {وهم} أي: والحال أنهم {يتلون الكتاب}، أي: مع أن في كتاب كل منهم حقيقة أصل دين الآخر، ثم شبه بهم في نحو هذا القول الجهلة، الذين ليس لهم كتاب، الذين هم عندهم ضلال، وفي هذا غاية العيب لهم، لتسوية حالهم مع علمهم بحال الجهلة، في القطع في الدين بالباطل، كما سوى حالهم بهم في الحرص على الحياة في الدنيا، ومنهم عبدة الأصنام الذين منهم العرب الذين أخرجوا الرسول من بلده ومنعوه مسجد أبيه، إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، الذي هو الحقيق بهم دونهم، وساق ذلك مساق جواب سائل، كأنه قال: هذا قول العلماء بالكتاب، فما حال من لا علم له فقال: {كذلك} أي: مثل هذا القول البعيد عن القصد، {قال الذين لا يعلمون} أي: وقال الجهلة الذين لا علم عندهم ولا كتاب، كعبدة الأصنام والمعطلة وغيرهم، {مثل قولهم}، فعاندوا وضللوا المؤمنين أهل العلم بالكتاب الخاتم، الذي لا كتاب مثله، وضللوا أهل كل دين.

ولما وقع الخلاف بين هذه الفرق تسبب عنه حكم الملك الذي لم يخلقهم سدى بينهم، فقال: {فالله يحكم بينهم} و "الحكم": قصر المصرف على بعض ما يتصرف فيه، وعن بعض ما تشوف إليه، وحقق أمر البعث بقوله: {يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون} و "الاختلاف" افتعال من الخلاف، وهو: تقابل بين رأيين فيما ينبغي انفراد الرأي فيه، وهذه الآية تشير إلى نهي هذه الأمة أن يسلكوا مسالك أهل الكتاب، ومسالك الذين لا يعلمون، فيختلفوا في هذا القرآن المجيد،

<<  <   >  >>