للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تقول: معناه فما فوقها بالحجم، أي: ما زاد عليها في الجسم، ويكون القصد بذلك رد ما استنكروه من ضرب المثل، وهذا الوجه هو الذي تتراءى من خلال التنزيل صحته، وتنادي بلاغته بالتعويل، وبيان بعض أسراره: أن الشيء كلما كان أصغر كان الاطلاع على أسراره أصعب، فإذا كان في نهاية الصغر لم يحط به علمًا إلا علّام الغيوب، فكان التمثيل به أقوى في الدلالة على كمال الحكمة من التمثيل بالشيء الكبير، ولا يتنبه إلى الحقائق إلا من خلع ربقة التقليد من عنقه، وأطاع البراهين والحجج الدامغة فكان مع الحق يدور معه حيثما دار، وهناك يتبين العاقل من الجاهل، وتختبر العقول {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا}، أي: نظروا فيما نصبه الله تعالى من البراهين في أنفسهم وفي الآفاق، فصدقوا الله ورسوله، {فَيَعْلَمُونَ}، أي: فيعرفون أن المثل الذي ضربه الله تعالى لما ضربه، هو الحق من ربهم، ويذعنون للحقيقة، وينكشف به الغطاء عن بصائرهم. {وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: جحدوا آيات الله كفرًا وعنادًا كالمنافقين، أو تقليدًا لسلفهم كالمشركين، أو غلطًا في تأويل كتابهم وتقليدًا لمن سلف منهم، كأهل الكتاب، فأولئك حجبهم ما هم فيه، عن اتباع الحق، وحملهم على أن يقولوا: {مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا}، أي: ما الذي أراده الله بهذا المثل، لأن ما هم عليه من التقليد المحض، والاستكبار عن اتباع الحق، أقفل أبواب أذهانهم، وأجمدها، وحصر عقولهم ضمن دائرة صغيرة، فلا يتعدونها ولا يفهمون الإشارات، ولا يدركون مرامي الأدلة والبراهين. والله تعالى {يُضِلُّ بِهِ}، أي: بذكر المثل {كَثِيرًا} من أهل النفاق والكفر، فيزيدهم ضلالًا إلى ضلالهم، وتكذيبًا إلى تكذيبهم، {وَيَهْدِي بِهِ}: أي: بالمثل كثيرًا من أهل الإيمان، والتصديق، فيزيدهم هدى إلى هداهم، وإيمانًا إلى إيمانهم، لتصديقهم بما قد علموه حقًا يقينًا أنه موافق لما ضربه الله له مثلًا، وإقرارهم به، وذلك هداية الله لهم به، ألا ترى أن طالب الحق كلما قدمت له البراهين نظر بها، فعزل غثّها عن سمينها، وازداد بها معرفة وعرفانًا، وكلما ازدادت عنده البراهين، ازداد عرفانًا، وأما المقلد والمستكبر عن اتباع الحق حسدًا، فإن البراهين القاطعة لا تزيده إلا نفورًا، ولا تفيده إلا زيادة في الضلال، ونفورًا عن طريق الهدى.

<<  <   >  >>