للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومرة بنفسه، {وَحِينَ الْبَأْسِ}، أي: وقت شدة القتال في الحرب. {أُولَئِكَ} أي: خاصة، الذين علت هممهم، وعظمت أخلاقهم وشيمهم، {الَّذِينَ صَدَقُوا} فيما ادعوه من الإيمان, ففيه إشعار بأن من لم يفعل أفعالهم، لم يصدق في دعواه.

{وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} الذين اتقوا عقاب الله، فتجنبوا عصيانه، وحذروا وعده، فلم يتعدوا حدوده، وخافوه فقاموا بأداء فرائضه.

{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٧٨)}.

أصل الكتابة الخط الذي يقرأ، وعبر به هنا عن معنى الإلزام والإثبات، أي: فرض وأثبت, لأن ما كتب جدير بثبوته وبقائه، وهذا المعنى موجود في كلام العرب، ومستفيض في أشعارهم، ومنه قول الشاعر (١):

كُتِبَ القَتْلُ والقِتَال عَلَيْنا ... وعلى المُحْصَنات جَرُّ الذيولِ

وقول النابغة الجعدي:

يا بنتَ عَمّي كتابُ اللهِ أخرَني ... عنكم فهل أمنعنَّ الله ما فعَلا (٢)؟ !

ويأتي {كُتِبَ} بمعنى أمر، كقوله تعالى حكاية: {يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: ٢١] ويشهد لأن {كُتِبَ} هنا بمعنى: فرض، أن لفظة "على" تشعر بالوجوب، كقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: ١٨٣] ,


(١) هو عمر بن أبي ربيعة كما في "الكامل" للمبرد ٣/ ١١٧١، والأغاني ٩/ ٢٢٠ عند ذكر الحارث بن خالد بعد ذكر قيس بن ذريح.
(٢) أساس البلاغة للزمخشري، صفحة ٥٣٥.
وهو في "شعر النابغة الجعدي" ص ١٩٤، طبع المكتب الإِسلامي:
يا ابنةَ عمي كتابُ الله أخرَجَني ... كرهًا وهل أمنعنَّ الله ما فعلا
وهي هنا: "أَخرني" خلافًا للطبري. قال شاكر: وفي "الأساس": "أخّرني"، فأخشى أن تكون خطأ من ناسخ.

<<  <   >  >>