معهم، بحال المحيط مع المحوط، أي: شبه هيئة منتزعة من عدة أمور، بهيئة مثلها، وحينئذ لا تصرف في شيء من ألفاظ مفرداتها، إلا أنه لم يصرح ههنا إلا بلفظ ما هو العمدة في الهيئة المشبه بها، أعني: الإحاطة، والبواقي من الألفاظ منوية في الإدارة.
ثم استأنف تعالى الحديث عن بقية حالهم فقال:{يكاد البرق يخطف أبصارهم}، بكسر الطاء، والفتح أفصح، والخطف الآخذ بسرعة.
ولما كان من المعلوم أن البرق ينقضي لمعانه بسرعة، كان كأنه قيل: ماذا يصنعون عند ذلك؟ ، فقال:
{كلما} أضاء لهم، الآية، وهذا من تمام التمثيل لشدة الأمر على المنافقين، بشدته على أصحاب الصيب، وما هم فيه من غاية التحير، والجهل بما يأتون وما يذرون، إذا صادفوا من البرق لمعانًا، مع خوف أن يخطف أبصارهم انتهزوا ذلك اللمعان فرصة، فخطوا خطوات يسيرة، لأن زمان اللمعان قصير جدًا، فإذا خفي لمعانه وفتر، بقوا واقفين متقيدين عن الحركة، ولو شاء الله لزاد في قصيف الرعد فأصمهم وأعماهم.
وفي جملة {لو شاء الله} حذف، والتقدير: ولو شاء الله أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بها، وقد تكاثر هذا الحذف في:"شاء" و"أراد"، لا يكادون يبرزون المفعول، إلا في الشيء المستغرب، كما في قول الشاعر (١):
ولو شئت أن أبكي دمًا لبكيته ... عليه ولكن ساحةُ الصبر أوسَعُ
ثم إنه تعالى لما حذر المنافقين بأسه وسطوته، وأخبرهم بأنه محيط بهم وقدير على إذهاب أسماعهم وأبصارهم، وصف نفسه بالقدرة على كل شيء، بقوله:{إن الله على كل شيء قدير}، أي: إن الله على كل شيء يصح أن تقع عليه المشيئة، قدير بقدرة لا تتقيد بالأسباب.
وهنا مباحث للمتكلمين من المعتزلة والأشعرية، وخلاف بينهم، في أن
(١) لإسحاق بن حسان الخُرَيمي كما في "الكامل" ١٣٦٢.