للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للقتل والإخراج، وإنما كانوا يفعلون ذلك فيبذلون المال لتخليص الأسرى، ويتركون بقية المأمور به، لئلا يتبع الأسرى غير دين اليهودية، فهم يفعلون بهم ذلك ليردوهم إلى الكفر، وبذلك يندفع ما أورد في هذا المقام، وتحير الفخر الرازي رحمه الله في الجواب عنه فقال: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ} فقد اختلف العلماء فيه على وجهين:

أحدهما: إخراجهم كفر، وفداؤهم إيمان، وهو قول ابن عباس رضي الله عنهما، وقتادة: وابن جريج، ولم يذمهم على الفداء، وإنما ذمهم على المناقضة إذ أتوا ببعض الواجب وتركوا البعض، وقد تكون المناقضة، أدخل في الذم. لا يقال: هب أن ذلك الإخراج معصية، فلِمَ سماها كفرًا، مع أنَّه ثبت أن العاصي لا يكفر؟ لأنا نقول: هم صرحوا أن ذلك الإخراج غير واجب، مع أن صريح التوراة كان دالًا على وجوبه.

وثانيهما: المراد به التنبيه على أنهم في تمسكهم بنبوة موسى عليه السلام مع التكذيب بمحمد - صلى الله عليه وسلم -، مع أن الحجة في أمرهما على سواء، يجري مجرى طريقة السلف منهم في أن يؤمنوا ببعض ويكفروا ببعض. هذا كلامه.

وأنت خبير بأن الله تعالى إنما ذمهم، لأنهم لا همّ لهم إلا مقاومة دين الله وشرعه، والتلاعب به على مقتضى أهوائهم، حفظًا لرياستهم واستبدادًا منهم على ضعفائهم، فانتقض بذلك أمرهم عليهم، وحل بهم ما حل من البلاء، وكذلك كل أمة سلكت هذا المسلك فإنه يصيبها ما أصابهم، ويتلاشى أمرها حتَّى ترجع إلى دينها.

وهنا للمفسرين أقوال: منها أن بني قُريظة كانوا حلفاء الأوس، وبنو النضير كانوا حُلفاء الخزرج، فكان كل فريق يقاتل مع حلفائه، وإذا غلبوا خرّبوا ديارهم وأخرجوهم، واذا أسر رجل من الفريقين جمعوا له حتَّى يفدوه، فعيرتهم العرب وقالت: كيف تقاتلونهم ثم تفدونهم؟ فيقولون: أمرنا أن نفديهم، وحرم علينا قتالهم، ولكنا نستحي أن نذل حلفاءنا، ومنها أن عبد الله بن سلام مر على رأس الجالوت بالكوفة، وهو يفادي من النساء من لم يقع عليه الحرب، ولا يفادي من

<<  <   >  >>