للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمن قال: إن الأيام المعدودات، صوم ثلاثة أيام من كل شهر فريضة، أو تطوعًا لا فريضة، ثم نسخ ذلك، طولب بالدليل على ما قاله، من خبر تقوم به حجة، وعوقب على إسراعه إلى ادعاء النسخ، وليس هو بالأمر السهل، والمعنى على ذلك: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} هي {شَهْرُ رَمَضَانَ}.

ويجوز أن يكون معناه: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}، كتب عليكم {شَهْرُ رَمَضَانَ}، أي: صومه. قال الحرالّي: وفي تأسيسه على العد، ملجأ يرجع إليه عند إغماء الشهر الذي هو الهلال، فصار لهم العدد في الصوم، بمنزلة التيمم في الطهور، يرجعون إليه عند ضرورة فقد إهلال الرؤية، كما يرجعون إلى الصعيد عند فقد الماء.

ولما كان للمريض حاجة إلى الدواء والغذاء، بحسب تداعي جسمه، رفع عنه الكتب، فتسبب عما مضى قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} يقول جل ثناؤه: من {كَانَ مِنْكُمْ} ممن كلف الصوم {مَرِيضًا أَوْ} كان صحيحًا غير مريض، ولكنه راكبًا {سَفَرٍ فَعِدَّةٌ}، أي: فعليه صوم عدة الأيام التي أفطرها في مرضه، أو في سفره، {مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، غير أيام سفره أو مرضه.

فـ {عِدَّةٌ} بالرفع، على معنى: فعليه عدة؛ وقرئ بالنصب على معنى فليصم عدة، ونظم الكلام يشعر بأن تقدير الرفع، فالمكتوب عدة, لأن الآية مصدرة بقوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}، و "عدة" هنا مصدر بمعنى اسم المفعول، أي: معدودة، وبين الشرط وجوابه محذوف، والتقدير: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} فأفطر، فالمكتوب عليه عدة، أي: أيام معدودة من أيام أخر، غير التي أفطرها، فـ {مِنْ أَيَّامٍ} في موضع الصفة، لقوله {فَعِدَّةٌ}؛ و {أُخَرَ} صفة لـ {أَيَّامٍ}.

وظاهر الآية اعتبار مطلق المرض، بحيث يصدق عليه الاسم، وإلى هذا ذهب جمع من السلف.

قال البخاري في "صحيحه"، قال عطاء: يفطر من المرض كله، كما قال الله

<<  <   >  >>