للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشيء، مما جعل منه، فإذا قلت: سرت من دمشق إلى بيروت، كان المعنى أني اقتبست السير من الأولى إلى الثانية، وهنا المعنى على هذا المرام، وهذا الخطاب، وإن كان من الله خبرًا عن إبليس، فإنه تقريع لمن كان على شاكلته وطريقته، من خلق الله الذين يتكبرون عن الخضوع لأمر الله، والانقياد لطاعته، فيما أمرهم به، وفيما نهاهم عنه، والتسليم له فيما أوجب لبعضهم على بعض من الحق، قرع سبحانه وتعالى بهذه القصة اليهود، الذين كانوا بين ظهراني المهاجرين، فاستكبروا عن الإجابة لدعاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, وقرع أيضًا غيرهم، ولا تزال هذه تقرع وتحذر كل من كان مستكبرًا عن الحق، متبعًا هوى نفسه، متصفًا بالأوصاف التي وصف بها إبليس من الاستكبار والحسد، والاستنكاف عن الخضوع لمن أمره الله بالخضوع له، وزاد على ذلك أن قال: {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} نعمَ اللهِ عليه وأياديه عنده بخلافه عليه، فيما أمر به من السجود لآدم، والذي يلوح لي من هذا المقام، أن آدم عليه السلام كان مظهرًا لأمر الله تعالى، وإشارة إلى أنه تعالى يودعه رسالته، فكان الأمر بالسجود له، إنما هو أمر بالانقياد إلى أوامره تعالى.

ولما فرغ تعالى من نعمة التفضيل في الصفات الذاتية، بين النعمة، بشرف المسكن، مع تسخير زوج من الجنس لكمال الأنس، وما يتبع ذلك، فقال:

{وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (٣٥)}.

فأتى بلفظ {اسْكُنْ}، الذي هو فعل أمر من السكون، وهو الهدوء في الشيء الذي في طيه إقلاق، أي: اتخذ الجنة مسكنًا لتستقر فيها، لأنها موضع استقرار، ولبث، وأسكن معه زوجته ليكمل له بها الأنس، ومساق الآية يدل على أن حواء كانت موجودة حين أمره بسكنى الجنة، ولما كان السياق هنا لمجرد بيان النعم استعطافًا إلى المؤالفة، كان عطف الأكل بالواو، في قوله:

<<  <   >  >>