للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المعبر عنهم بيأجوج ومأجوج (١)، والتتر الوثنيون، وسكان جزائر الأوقيانوس، وأهل المكسيك الهندوس، والهندوس الكنديون، وكل أولئك يدّعون في الابن أنه صلب كما تدعي النصارى، والكلام على استيفاء هذه المباحث طويل، وله مَحَالّ يؤخذ منها.

والحاصل أن قوله تعالى: {وقالوا اتخذ الله ولدًا}، شامل لجميع الأمم الوثنية، ومنهم النصارى واليهود، ولمّا ضل كثير من الأمم بهذا الاعتقاد نزه تعالى نفسه، بقوله: {سبحانه} أي: تنزيهًا له عمّا نسبه إليه الكفار من اتخاذ الولد، والتجسد، والحلول، علوًا وارتفاعًا عن ذلك، وأخرج الحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي، عن طلحة بن عبيد الله قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عن تفسير سبحان الله، فقال: "هو تنزيه الله من كل سوء" ورواه عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والديلمي.

ثم إنه تعالى أخذ في إبطال تلك المقالة، فقال: {بل له ما في السماوات والأرض} أي: جميع ذلك مملوك له. ومن جملتهم من ادعوا أنّه ولد لله، والولادة تنافي الملكية، لأن الوالد لا يملك ولده، ولمّا ذكر أن الكل مملوك لله تعالى، ذكر أنَّهم كلهم {قانتون} له، أي: مطيعون خاضعون له، وهذه عادة المملوك أن يكون طائعًا لمالكه، ممتثلًا لما يريده منه، واستدل بنتيجة الطواعية على ثبوت الملكية، ومن كان بهذه الصفة لم يجانس الولد، إذ الولد يكون من جنس الوالد، وأتى بـ {ما} الموضوعة لما لا يعقل، تحقيرًا لهم وتصغيرًا لشأنهم.

والمقصود من القنوت هنا، الذي بمعنى الطاعة، أنهم خاضعون لتصرفه فيهم، ويفعل بهم ما يشاء ويختار، فله الحكم المطلق كما أخبر تعالى عن السماوات، والأرض، بأنهما قالتا: {أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: ١١] والمعنى: أنهم مخلصون خاشعون متواضعون، لاستسلامهم لقضائه من غير قدرة على دفاع، ولا


(١) وهذا من الأمور التي لا يحكم فيها بالعقل بل بالنقل. وما ذكره المؤلف رحمه الله لا يثبت.

<<  <   >  >>