للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يسوق الحادي الإبل، يسبح كلما خالفت سحابة أختها صاح بها، فإذا اشتد غضبه طارت النار من فيه (١)، فهي الصواعق التي رأيتم (٢).

وروي عن ابن عباس، أن الصواعق تخرج من اصطكاك السحاب بعضه ببعض.

وقال بعض من المفسرين الأقدمين: إن الرعد ريح تختنق تحت السحاب، فتتصاعد فيكون منه ذلك الصوت.

وأما البرق، فروى ابن جرير عن علي بن أبي طالب أنه قال: "إنه مخاريق الملائكة" (٣) وقال آخرون: إنه سوط من نور يزجر به الملك السحاب، وهو مروي عن ابن عباس؛ وقال أبو الجَلْد: هو ماء، إلى غير ذلك من الأقوال التي لا شك بأنها مأخذوة عن الإسرائيليات.

وأما غير هؤلاء فلهم مذاهب شتى، فذهب بعض المتقدمين إلى أن البرق شعاع الشمس يحتبس في السحاب، أو أنه قطعة من نار الأثير تختنق فيه، وقيل هو عكس شعاعي، وقيل: لما خلق الله السائل الذي تكونت منه الأرض، جعل منه عنصرًا شعاعيًا ناريًا سيالًا في غاية اللطافة، منتشرًا في جميع الأجسام بمقادير مختلفة، وله أوصاف وألوان كأوصاف الشمس وألوانها، وتنشا عنه أمور عجيبة، وسبب تكون هذا السائل ينشأ دائمًا على سطوح البحار الواسعة، المتأثرة دائمًا بأشعة الشمس، ومن ذلك التأثر ينشأ هذا السائل، ويصعد إلى الجو من غير انقطاع، كما أن البخار يتصاعد من غير انقطاع.

وهذا يشبه ما ذكره أهل عصرنا من أن سببَ البرقِ الكهربائيةُ السارية في السحاب، ونحن بحسب ما عرفناه اليوم، يمكن أن يكون هذا القول صحيحًا، اللهم إلا أن يأتي بعدنا أو في زمننا قوم يكتشفون خلاف هذا، فإن هذه الفنون


(١) فيه: أي فمه.
(٢) الأصل (ترى) والتصحيح من الطبري.
(٣) إنّ مثل هذا القول لا نظن صحته منسويًا لسيدنا علي- رضي الله عنه- ولا هو مما يدرك إلا من قول الله جلّ وعلا، أو قول المعصوم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

<<  <   >  >>