للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حق البارئ؛ ورده الدماميني في "شرح المغني" بأنه ما ادعاه من أن حذف المعطوف عليه هنا شاذ غير مقيس، لم أقف عليه إلا من جهته. وقد خرج جماعة على ذلك قوله تعالى: {اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ} [البقرة: ٦٠] أي فضرب فانفجرت، ولم يتعقبه أحد من الأئمة فيما علمت، وقال ابن مالك في "التسهيل": ويغني عن المعطوف عليه المعطوف بالواو كثيرًا وبالفاء قليلًا، ولم يذكر وقوع ذلك مع "أم"، وقد نقل ابن هشام في "المغني" كلام الزمخشري، ولم يناقشه فيه بل أقره.

وقوله: {مَا تَعْبُدُونَ} أي: أي شيء {تَعْبُدُونَ}، ولفظ {مَا} عام في كل شيء، ولو قيل: "من تعبدون" لم يعن إلا أولي العلم وحدهم، ويجوز أن يقال: {مَا تَعْبُدُونَ} سؤال عن صفة المعبود، وهذه الوصية وهذا السؤال يدلان على أن شفقة الأنبياء على أولادهم كانت في باب الدين، وهمتهم مصروفة إليه دون غيره.

وقوله: {مِنْ بَعْدِي} يريد من بعد موتي، {قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ} عطف بيان لـ {آبَائِكَ}، وجعل إسماعيل، وهو عمه من جملة آبائه لأن العم أب، والخالة أم، لانخراطهما في سلك واحد، وهو والإخوة لا تفاوت بينهما.

وقوله: {إِلَهًا وَاحِدًا}: بدل من {إِلَهَ آبَائِكَ}، أو هو منصوب على الاختصاص، ومعناه: نريد بـ {إِلَهَ آبَائِكَ} إلهًا واحدًا، {وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}، أي: منقادون خاضعون بالعبودية والطاعة.

تنبيه: حكى الرازي صاحب "المنتخب" أن هذه الآية تمسك بها فريقان:

إحداهما: المقلدون، قالوا: إن أبناء يعقوب اكتفوا بالتقليد، وهو لم ينكره عليهم، فدل أن التقليد كافٍ.

وثانيهما: التعلمية: قالوا: لا طريق إلى معرِفَة الله إلا بتعليم الرسول

<<  <   >  >>