وقوله:{فِي الْكِتَابِ} إشارة إلى أن ما بينه الله في الكتاب لا يحل كتمه، لما ذكر من أن الكتاب هو ما احتوى على الأحكام والحدود، بخلاف ما يختص بالفرقان، أو يعلو إلى رتبة القرآن، ولما كان المضارع دالًا على التجديد المستمر، وكان الإصرار المتصل بالموت دالًا على سوء الجبلة، أسقط فاء السبب إشارة إلى استحقاقهم للخزي في نفس الأمر، من غير نظر إلى سبب، فقال:{أُولَئِكَ} أي: البغضاء البعداء {يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ} أي: يطردهم {وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} أي: كل من يصح منه لعن.
وقد دلت هذه الآية بظاهرها على استحقاق اللعنة على من كتم ما أنزل الله، وإن لم يسأل عنه، بل يجب التعليم والتبيين، وإن لم يسألوا {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ}[آل عمران: ١٨٧].
وقال الرازي: قوله تعالى: {مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} يعم كل ما أنزله على الأنبياء كتابًا ووحيًا، دون أدلة العقول، وقوله تعالى:{وَالْهُدَى} يدخل فيه الدلائل العقلية والنقلية، قال: واعلم أن الكتاب لما دل على أن خبر الواحد، والإجماع، والقياس حجة، فكل ما يدل عليه أحد هذه الأمور، فقد دل عليه الكتاب، فكان كتمانه داخلًا تحت الآية، فثبت أنه تعالى توعد على كتمان الدلائل السمعية والعقلية، وجمع بين الأمرين في الوعيد، فهذه الآية تدل على أن من أمكنه بيان أصول الدين بالدلائل العقلية لمن كان محتاجًا إليها، ثم تركها، أو كتم شيئًا من أحكام الشرع مع شدة الحاجة إليه، فقد لحقه الوعيد العظيم. انتهى.
قلت: وخصوصًا في زمننا هذا، فإن أولي المعارف من أهله، كادوا لا يعرفون إلا الأدلة العقلية، أشد مما كان عليه القوم أيام الرازي والغزالي، فلذلك كانت معرفة العلوم العقلية على نمط مصطلح أهل هذا الزمن، وترتيب الأدلة على مقتضاها من ألزم ما يحتاجه صاحب العلم، والمدرس والمؤلف.
وقال ابن حزم رحمه الله تعالى: الحظ لمن آثر العلم، وعرف فضله، أن