للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما ساق سبحانه وتعالى الإفطار عند الإطاقة، والفدية واجبها، ومندوبها مساق الغيبة، وترك ذكر الفطر وإن دل السياق عليه، إشارة إلى خساسته تنفيرًا عنه، جعل أهل الصوم محل حضرة الخطاب، إيذانًا لما له من الشرف على ذلك كله، ترغيبًا فيه، وحضًا عليه، بقوله:

{وَأَنْ تَصُومُوا}، يعني: أيها المطيقون {خَيْرٌ لَكُمْ} من الفدية، وإن زادت، ففيه إشعار بأن الصائم يناله من الخير في صحته وجسمه ورزقه حظ وافر، مع عظيم الأجر في الآخرة.

كما أشار إليه الحديث القدسي الصحيح: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي، وأنا أجزي به" (١).

وذلك لأنه لما كانت الأعمال أفعالًا وإنفاقًا، وسيرًا وأحوالًا، مما شأن العبد أن يعمله لنفسه ولأهله في دنياه، وكان من شأنه، كانت له، ولما كان الصوم ليس من شأنه، لم يكن له، ولذلك ختم هذه الآية بقوله: {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، أي: خير الأمرين لكم أيها المؤمنون من الإفطار والفدية، أو الصوم على ما أمركم الله به، أو {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} فضل الصيام على الافتداء، وقدر ثواب الله للصائمين، فإنكم {إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} الله حتى تخشونه، كان الصوم خيرًا لكم.

ولما أبهم سبحانه وتعالى الأمر أولًا في الأيام بقوله: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ}، بيّن سبحانه تلك الأيام بقوله:

{شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٨٥)}.


(١) هو في "صحيح الجامع الصغير" ٤٥٣٨.

<<  <   >  >>