للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٤٩)}.

أي: واذكروا {إِذْ نَجَّيْنَاكُمْ} وهو من التنجية، وهي: تكرار النجاة، أي: خلصناكم المرة بعد المرة. {مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ} من أهله، وأوليائه وأتباعه، الذين عزموا على إهلاككم، وأصل السوم من: سام السلعه إذا طلبها، فكأنه هنا بمعنى يبغونكم، ويقال: سامه خسفًا: إذا أولاه ظلمًا، و {سُوءَ الْعَذَابِ} أشده وأفظعه، كأنه قبحه بالإضافة إلى سائره، ثم بينه بقوله: {يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ}، فكانوا يقتلون الصبيان ويتركون النساء أحياء، سواء الكبار منهن والصغار في ذلك، ويدل على هذا التفسير: أن الله تعالى أمر أم موسى أن ترضعه، فإذا خافت عليه تلقيه في التابوت، ثم تلقيه في اليم، ولو لم يكن آل فرعون لم يقتلوا سوى الأطفال لما أمرَ الله أم موسى بذلك، ثم قال تعالى: {وَفِي ذَلِكُمْ}، أي: وفي الذي فعلنا بكم من إنجائنا إياكم مما كنتم فيه من عذاب آل فرعون إياكم على ما وصفت {بَلَاءٌ} لكم {مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ}، والبلاء: النعمة، أي: نعمة من ربكم عظيمة.

ولما كان ما فعل بهم في البحر إهلاكًا للرجال، وإبقاءً للنساء، طبق ما فعلوا ببني إسرائيل عقبه به، فقال:

{وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٠)}.

أي: واذكروا {إِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ}، فصلنا بين بعضه وبعض، حتى صارت فيه مسالك لكم، وتلك المسالك كانت اثنتي عشرة على عدد الأسباط، وقوله {بِكُمُ} معناه: بسببكم، عقب إخراجنا لكم من أسر القبط، فأنجيناكم، وهو مأخُوذٌ من الإنجاء الذي هو الإسراع في الرفعة عن الهلاك، إلى نجوة الفوز، {وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ} في البحر {وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} إسراعه إليهم في انطباقه عليهم.

وقد ذكر المفسرون هنا حكايات مختلفة، وقصصًا متباينة، ولنذكر منها ما نطق به الكتاب العزيز، وذلك أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليه السلام:

<<  <   >  >>