للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقوله: {وَمَا جَعَلْنَا} معناه: ما شرعنا وما حكمنا القبلة التي كنت عليها، أي: كنت معتقدًا لاستقبالها؛ فقوله: {الَّتِي} وما بعده، ليس صفة للقبلة، وإنما هو ثاني مفعولي "جعل"، يريد {وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ} الجهة {الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ}، الآية. وإلى هذا جنح "الزمخشري"، وتبعه "الرازي"، ولم يرضه صاحب "البحر". فجعل {الْقِبْلَةَ} المفعول الثاني، و {الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا} المفعول الأول؛ و {جَعَلْ} بمعنى صيّر، وعلل ذلك بأن التصيير هو الانتقال من حال إلى حال، فالمتلبس بالحالة الأولى هو المفعول الأول، والمتلبس بالحالة الثانية هو المفعول الثاني؛ والمعنى على هذا التقدير:

{وَمَا جَعَلْنَا} الكعبة {الَّتِي} كانت قبلة لك أولًا، ثم صرفت عنها إلى بيت المقدس قبلتك الآن، {إِلَّا لِنَعْلَمَ}.

وهنا إعرابات مختلفة، يختلف التفسير باختلافها، فلا محل للإطالة بها، وأيًّا ما كان فالكلام يقتضي وجهين:

أولهما: أن يكون بيانًا للحكمة في جعل الكعبة قبلة؛ وذلك لأنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي بمكة إلى الكعبة، ثم أمر بالصلاة إلى بيت المقدس بعد الهجرة، تأليفًا لليهود، ثم حول إلى الكعبة فيكون المعنى: وما رددناك إلى الكعبة إلا امتحانًا للناس وابتلاءً.

وثانيهما: أن يكون بيانًا (١) للحكمة في جعل بيت المقدس قبلة، فيكون المعنى: أن أصل أمرك أن تستقبل الكعبة، وأن استقبالك بيت المقدس كان أمرًا عارضًا لغرض، وهو امتحان الناس، ليظهر {مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ}، ومن لا يتبعه وينفر عنه.

ولذلك قال: {إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ} أي: يرتد، فيدبر بعد إقباله منتكسًا {عَلَى عَقِبَيْهِ}، علمًا متعلقًا بموجود تقوم به الحجة في مجاري عاداتكم، وقال الحرالّي: لنجعل عَلَمًا ظاهرًا على الصادق وغيره،


(١) الأصل: (لسانًا).

<<  <   >  >>